بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بكم وأنتم ترافقوننا في لقاء اليوم من هذا البرنامج وموضوعه هو «أهمية معرفة الله عزّ وجل في حياة الإنسان وسعادته ونجاته».
وقد عرضنا في حلقتين سابقتين سؤالاً عن هذا الموضوع وعرفنا من مناري الهداية الربانية وثقليهما عظمة الآثار والبركات الناشئة من معرفة الله.
وهذا ما نستكمله، بعون الله عزّ وجل، في هذه الحلقة، فتابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل، إن من الآثار المهمة لمعرفة الله عزّ وجل هي أنها تعز الإنسان وتخرجه من أسر وذلة الإفتقار إلى الآخرين.
قال مولانا الإمام علي المرتضى، صلوات الله عليه: (من سكن قلبه العلم بالله سكنه الغنى عن خلق الله).
فمعرفة الله تنير قلب الإنسان بحقيقة أن الخير كله بيد الله وما سواه عزّ وجل وسائل لإيصال خيره إلى عباده، عندما لايطلب المؤمن الخير إلا منه تبارك وتعالى.
كما أن معرفة الله عزّ وجل تحرر الإنسان من أسر حب الدنيا لأنها تفتح قلب الإنسان على منبع الخير الدائم والرضوان الأكبر.
قال أمير المؤمنين ومولى الموحدين عليه السلام: (ثمرة المعرفة العزوف عن دار الفناء).
مستمعينا الأفاضل، وهذا الأثر المبارك لمعرفة الله، أي العزوف عن الدنيا والتحرر عن أسرها، يبينه لنا مولانا الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في حديث جامع رواه الشيخ الكليني في كتاب روضة الكافي، وجاء فيه قوله(عليه السلام): (لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عزّ وجل، ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله عزّ وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله، إن معرفة الله عزّ وجل، أنس من كل وحشة وصاحب من كل وحدة ونور من كل ظلمة وقوة من كل ضعف وشفاء من كل سقم).
ثم قال(عليه السلام) مبيناً أثر معرفة الله في الإستقامة على الدين الحق بوجه كل الصعاب: (وقد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها، فما يردهم عما هم عليه شيء مما هم فيه، من غير ترة وتروا بها من فعل ذلك بهم ولا أذى بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا الله ربكم درجاتهم واصبروا على نوائب دهركم، تدركوا سعيهم).
ومن بركات معرفة الله عزّ وجل أنها تدفع عن الإنسان شر التكبر وهو أخطر الأمراض النفسية التي تجلب الشقاء للإنسان نفسه والآخرين.
قال مولانا الإمام علي(عليه السلام): (لاينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمة الله أن يتواضعوا له).
ومن بركات معرفة الله أنها تبعث في قلب العارف الحب الفطري له عزّ وجل فيندفع إلى عبادته حبا له وهذا أسمى مراتب العبادة وبها تتحقق للإنسان الطمأنينة والبهجة الروحية الكاملة والفوز بحب الله تبارك وتعالى له.
روى الشيخ الصدوق في كتاب الخصال بسنده عن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال: (إن الناس يعبدون الله تعالى على ثلاثة أوجه، فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه فرقاً من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة، ولكني أعبده حباً له، فتلك عبادة الكرام وهو الأمن لقوله تعالى: « وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» ولقوله تعالى: « قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» فمن أحب الله أحبه الله ومن أحبه الله كان من الآمنين).
أيها الأفاضل، ومن بركات معرفة الله الحقة ترسيخ العرفان الفطري وتثبيت الإرتباط به تبارك وتعالى وخرق حجب النور، أي كل ما يحجب الإنسان عنه جلّ وعلا، وهذا ما يصوره بأبلغ البيان، مولانا مولى الموحدين الإمام علي(عليه السلام) في مناجاته الشعبانية المباركة حيث يقول: (إلهي هب لي كمال الإنقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك.. إلهي وألحقني بنور عزك الأبهج فأكون لك عارفاً وعن سواك منحرفاً ومنك خائفاً مراقباً يا ذا الجلال والإكرام).
إذن أحباءنا فإن معرفة الله هي وسيلة الغنى والتحرر من الإفتقار لغير الله ومن أسر حب الدنيا.
كما أنها وسيلة الإقبال على أسمى وأكرم مراتب عبادة الله وهي عبادة المحبين وهي أيضاً سر الإستقامة والثبات على الدين والأنس بالله ودوام الإرتباط به جل جلاله.
رزقنا الله وإياكم ذلك ببركة التمسك بثقلي رحمته، قرآنه الكريم وعترة نبيه الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين، اللهم آمين.
بهذا نصل إلى ختام حلقة اليوم من برنامج (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله. الى اللقاء.