بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نثير فيه سؤالاً عن «أهمية العقيدة في حياة المسلم». فمن المعروف عدم جواز التقليد في أصول الدين، كما يذكر الفقهاء في بداية رسائلهم العملية.
فيلزم كل مؤمن أن يكون إيمانه بأصول العقائد الإلهية عن تحقيق ويقين، فما هو السر في ذلك؟
نرجع معاً أيها الأعزاء الى كتاب الله وأحاديث أهل بيت رسوله الأكرم- صلى الله عليه وآله وسلّم- ونتدبر في نصوصها الشريفة بحثا عن الإجابة، فكونوا معنا.
نتدبر معاً أولاً أحبتنا في الآية ٥٤ من سورة الحج حيث يقول جل جلاله:
«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
إذن فالبناء العقائدي المتين هو الذي يجعل قلب المؤمن مستعداً للثبات والإستقامة في العمل بالأوامر الإلهية وبالتالي السير على الصراط المستقيم.
كما أن رسوخ الإيمان بالأصول العقائدية هو العامل الذي يؤدي الى أداء الواجبات الدينية بالصورة السليمة التي تستتبع الأجر الإلهي العظيم كما نستفيد من الآية ۱٦۲ من سورة النساء حيث يقول عزّ وجل:
لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا
والأساس العقائدي القويم هوالذي ينقل الإنسان الى مرتبة التسليم لأمر الله فينقذه من الضلالة والأعراض عن الدعوات الإلهية.
قال تبارك وتعالى في الآيتين ٥۲ و٥۳ من سورة الروم: «فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ».
أيها الإخوة والأخوات، وإنطلاقاً من البيانات القرآنية المتقدمة تصرّح الأحاديث الشريفة بأنّ الإساس العقائدي الصحيح هو العامل لأداء التكاليف الشرعية بالصورة السليمة وبالتالي قبول الله عزّ وجل لها:
روي في كتاب أمالي الصدوق والمحاسن مسنداً عن إمامنا الصادق- عليه السلام- قال: (لايقبل الله عزّ وجل عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة الا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل ومن لم يعمل فلا معرفة له، إن الإيمان بعضه من بعض).
وروي في كتاب الوسائل عن محمد بن مارد قال: قلت لأبي عبد الله (الصادق) عليه السلام: حديثٌ روي لنا أنك قلت: إذا عرفت فأعمل ما شئت.
فأجابه الإمام عليه السلام-: قد قلت ذلك!
فقال الراوي: وإن زنوا أو سرقوا أو شربوا الخمر؟!
فقال- عليه السلام-: (إنا الله وإنا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم، إنما قلت إذا عرفت فأعمل ما شئت من قليل الخير أو كثيره فإنه يقبل منك).
وفي المقابل مستمعينا الأفاضل، فإن العمل على غير أساس عقائدي متين لاينفع الإنسان في طي معارج الكمال ولايجعله في أمان من السقوط في الفتن، لأن الأساس العقائدي القوي هو ضمانة النجاة من الفتن والوساوس الشيطانية.
روى الشيخ المفيد في كتاب الإختصاص عن أميرالمؤمنين- عليه السلام- قال: (المتعبد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولايبرح، وركعتان من عالمٍ خيرٌ من سبعين ركعةٍ من جاهل).
يعني- عليه السلام- بالعالم العارف بالأصول العقائدية وبالجاهل الفاقد لها، ثم علل- عليه السلام- ذلك بقوله: (لأن العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فتنسفه نسفاً).
ثم قال- عليه السلام-: (وقليل العمل مع كثير العلم خيرٌ من كثير العمل مع قليل العلم والشك والشبهة).
أيها الأحبة، نستفيد من النصوص الشريفة أن العلم بالأصول العقائدية السليمة هو الذي يرزق الإنسان الخشية من الله عزّ وجل وبالتالي السعي لرضاه عزّ وجل.
نقرأ في الآية ۲۸ من سورة فاطر قول الله تبارك وتعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء».
وفي كتاب الكافي قال مولانا الإمام الكاظم – عليه السلام- في إحدى فقرات وصيته للعبد الصالح هشام بن حكم:
(يا هشام، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفةٍ ثابتةٍ يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه).
وعنه- عليه السلام- قال: (لا نجاة إلا بالطاعة والطاعة بالعلم والعلم بالتعلّم والتعلّم بالعقل يعتقد ولا علم الا من عالم رباني).
وفي كتاب كنز الفوائد نقرأ قول إمامنا الصادق- عليه السلام-: (أحسنوا النظر فيما لايسعكم جهله وأنصحوا لأنفسكم وجاهدوا في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله، فإن لدين الله أركاناً لاينفع من جهلها شدة إجتهاده في طلب ظاهر عبادته، ولايضر من عرفها فدان بها حسن إقتصاده ولا سبيل لأحدٍ الى ذلك إلا بعون الله عزّ وجل).
مستمعينا الأفاضل إذن خلاصة ما تقدم هي أن معرفة الله عزّ وجل وما يتفرع عنها من الأصول العقائدية هي الأساس الذي يحقق للمؤمن حسن التعبد لله عزّ وجل والإستقامة في السير على الصراط المستقيم وبالتالي بلوغ الكمالات والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة رزقنا الله وإياكم ذلك.
اللهم آمين، وبهذا الدعاء نختم لقاء اليوم من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. تقبل الله أعمالكم وفي أمان الله سبحانه. الى اللقاء.