بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله وبركاته
حضرات المستمعين الاكارم في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أزكى تحية نهديها لكم ونحن نلتقيكم على بركة الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج، سؤالنا فيها هو: (ما هي العوامل التي تحرم الإنسان من نور البصيرة)؟
مستمعينا الافاضل قد علمنا في حلقات سابقة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن نور البصيرة هو الذي يجعل الإنسان يسير على الصراط المستقيم بعيداً عن الشبهات.
وبه يعرف حقائق الأمور فلاتلتبس عليه، وبذلك تفتح أمامه آفاق العروج الى الكمالات والخيرات ودفع الشرور والشقاء.
ولذلك فإن معرفة العوامل التي تحرمه من هذه النعمة أمرٌ مهم ينبغي لنا السعي له.
نبدأ بالقرآن الكريم مستمعينا الافاضل وهو كلمة الفصل، فنتدبر في قوله جل جلاله في الآيات ۷ الى ۱۷ من سورة المطففين حيث يقول عز من قائل: «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ».
تبين هذه الآيات الكريمة أن منشأ فقدان الفجار للبصيرة وحجبهم بالتالي عن ربهم عزّ وجل بسبب تكذيبهم بآياته، أن منشأ كل ذلك هو ما إكتسبوه من ذنوب أعمت قلوبهم أي حرمتها من نور البصيرة فوقعوا في التكذيب.
إذن الذنوب هي العامل الأهم الذي يحرم الإنسان من نور البصيرة ويسلبه كل خير، وهذا ما يشير إليه مولانا الإمام الباقر- عليه السلام- في الحديث المروي عنه في كتاب الكافي، حيث يقول: (ما من عبدٌ إلا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فاذا تاب ذهب ذلك وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض، فاذا غطى البياض لم يرجع صاحبه الى خيرٍ أبداً وهو قول الله عزّ وجل «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ».
مستمعينا الأفاضل، أما العامل الثاني الذي يحرم الإنسان من نور البصيرة فهو إتباع الهوى والقناعات المسبقة والآراء الشخصية والتعصب لها دون تفكر.
قال الله عزّ وجل في الآية ۲۳ من سورة الجاثية «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ».
وقال جل جلاله في الآية ۱۷ من سورة فصلت «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى».
ولذلك يوصينا إمامنا أميرالمؤمنين- عليه السلام- قائلاً: (أوصيكم بمجانبة الهوى فإن الهوى يدعو الى العمى وهو الضلال في الآخرة والدنيا).
ويقول- عليه السلام- كما في كتاب (غرر الحكم): (لا تسكن الحكمة قلباً مع شهوة).
وقال- عليه السلام- أيضاً: (حرامٌ على كل عقلٍ مغلولٍ بالشهوة أن ينتفع بالحكمة).
وقال- عليه السلام- كما في كتاب (عيون الحكم والمواعظ): (لحبّ الدنيا صمّت الأسماع عن سماع الحكمة وعميت القلوب عن نور البصيرة، وإن نظر البصر لايجدي إذا عميت البصيرة).
وروي عن مولانا الإمام الكاظم- عليه السلام- قال: (أوحى الله تعالى الى داود-عليه السلام-: يا داود، حذّر وانذر أصحابك من حب الشهوات فإن المعلقة قلوبهم محجوبة عني).
العامل الثالث الذي يحرم الإنسان من نور البصيرة هو كثرة التمني والإغترار وعدم الإستفادة من العمر والغفلة بالتالي عن الغاية التي خلق من أجلها.
قال مولانا أمير المؤمنين- عليه السلام- في المنقول عنه في كتاب(عيون الحكم والمواعظ): (دوام الغفلة يعمي البصيرة... وذهاب البصر خيرٌ من عمى البصيرة).
وقال- عليه السلام- أيضاً: (الأماني تعمي أعين البصائر...).
وفي بحار الأنوار عن إمامنا الكاظم- عليه السلام- قال: (من سلّط ثلاثاً على ثلاثٍ فكأنما أعان على هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد دينه ودنياه).
مستمعينا الافاضل وفي المقابل تهدينا النصوص الشريفة الى العوامل التي تقوي نور البصيرة في الإنسان وأهمها التفكر في كلمات الهداية والإعتبار من التجارب.
قال أميرالمؤمنين- عليه السلام-: (إنما البصير من سمع فتفكر ونظر فأبصر وإنتفع بالعبر وسلك جدداً واضحاً يتجنب فيه الصرعة في المهاوي... وبالهدى يكثر الإستبصار).
وفي تحف العقول عن إمامنا موسى الكاظم قال- عليه السلام-: (تفقهوا في دين الله فإن الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدنيا والآخرة...).
وخلاصة ما تقدم يتضح أن أهم العوامل التي تحرم الإنسان من نور البصيرة هي الذنوب والغفلة وإتباع الأهواء والشهوات والأغترار بحب الدنيا أجارنا الله وإياكم منها.
في حين أن التفكر في نصوص الهداية والإنتفاع من التجارب والتفقه في المعارف الإلهية هي من أهم العوامل التي تقوّي في المؤمن نور البصيرة.
نعم، وبهذا ننهي أحباءنا لقاء اليوم من برنامجكم(أسئلتنا وأجوبة الثقلين)،
إستمعتم لهذا البرنامج مشكورين، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم والى اللقاء. في أمان الله.