السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته
تحية مباركة طيبة نفتتح بها لقاؤنا بكم في حلقة اليوم من برنامجكم هذا وفيها نعرض على الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة سؤالاً هو:
(ما معنى البصيرة؟ وما هي أهميتها في حياة الإنسان؟)
نسعى معاً للحصول على الإجابة من خلال التدبر في نصوص مناري الهداية الى الحق والنجاة من الضلالة والجهالة، القرآن الكريم وأهل بيت الرحمة المحمدية- صلوات الله عليهم أجمعين- تابعونا على بركة الله.
في البداية نشير- مستمعينا الأفاضل- أن البصيرة في اللغة هي القوة القلبية أو العقلية النورية المدركة للحقائق وكأنها تشاهدها عياناً. وهي في مقابل البصر الذي يطلق على حاسة العين التي نبصر ونشاهد بها الأشياء.
وهذا المعنى اللغوي هو المستخدم في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، نقرأ في كتاب الله قوله عزّ وجل في الآية ٤٦ من سورة الحج:
«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ».
وقال جل جلاله في الآية ۱۷۹ من سورة الأعراف «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ».
ونقرأ في الآية ۲٤ من سورة (محمد) صلى الله عليه وآله قول الله عزّ وجل : «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا».
والمستفاد من هذه الآية الكريمة ونظائرها هو أن الجوارح الظاهرية هي وسيلة الحصول على المعلومات الأولية التي يحصل الإنسان منها ببصيرته القلبية على الحقائق المعرفية الصحيحة بالإستفادة من نور العقل، وبهذه البصيرة يرتقي الإنسان في مراتب الكمال ويكون من أهل الجنة والسعادة، وبفقدانها يصبح من أهل النار، أضل سبيلاً من الأنعام.
مستمعينا الأطائب، وتتضح لنا أهمية البصيرة، فيحياة الإنسان أكثرعندما نلاحظ تأكيد النصوص الشريفة على أنها من أبرز صفات أولياء الله الصادقين في جميع شؤون حياتهم.
قال الله جل جلاله لأديبه المصطفى- صلى الله عليه وآله- في الآية ۱۰۸ من سورة يوسف: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».
إذن فالبصيرة هي سمة المحمديين الذين يتبعون رسول الله- صلى الله عليه وآله- وبها النجاة من الشرك، قال مولانا الوصي المرتضى- عليه السلام- في إحدى خطب نهج البلاغة ضمن ذكره لصفات أولياء الله الصادقين:
(هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين وإستلانوا ما إستوعره المترفون وأنسوا بما إستوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدانٍ أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة الى دينه، آه، آه، شوقاً الى رؤيتهم).
وروى السيد ابن طاووس في كتاب(كشف المحجة) مسنداً عن الإمام الصادق -عليه السلام- رسالة كان يكتبها أمير المؤمنين لأكابر أصحابه، وفي ذلك إشارة الى عظيم أهمية مضامينها... قال عليه السلام في بدايتها:
(الى المقربين في الأظلة الممتحنين بالبلية المسارعين في الطاعة المستيقنين بالكرة- أي الرجعة في زمن خاتم الأوصياء المهدي- عجل الله فرجه- تحيةً منا إليكم، سلامٌ عليكم، أما بعد فإن نور البصيرة روح الحياة الذي لاينفع إيمانٌ الا به مع إتباع كلمة الله والتصديق بها، فالكلمة من الروح والروح من النور، نور السموات والأرض).
ونقرأ في كتاب عمدة الطالب جميل وصف الإمام الصادق- عليه السلام- لأبي الفضل العباس بن أميرالمؤمنين- عليهما السلام-، حيث قال: (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيدا).
وعن مخاطر إنعدام البصيرة عند الإنسان يقول إمامنا الصادق- عليه السلام- في الحديث المروي عنه في كتاب فقه الرضا- عليه السلام- وكذلك في كتاب أمالي الشيخ الصدوق وكتاب المحاسن للشيخ البرقي:
(العامل على غير بصيرة كالسائرعلى غير الطريقه لاتزيده سرعة السير من الطريق إلا بعداً).
وفي كتاب المحاسن روى إمامنا الصادق عن آبائه عن رسول الله- صلى الله عليه وآله- أنه قال: (من عمل على غير علمٍ كان ما يفسده أكثرمما يصلح).
وفي كتاب الخصال عنه- صلى الله عليه وآله- قال: (قسّم العقل على ثلاثة أجزاءٍ، فمن كانت فيه كمل عقله ومن لم تكن فيه فلا عقل له).
ثم ذكر- صلى الله عليه وآله- البصيرة كأحد هذه الأمور الدالة على كمال العقل حيث قال أنها: (حسن المعرفة بالله عزّ وجل، وحسن الطاعة له، وحسن البصيرة على أمره)- يعني أمر الله عزّ وجل.
وروي في كتاب فقه الرضا قوله- عليه السلام-: (إنظر الى من هو دونك في المقدرة ولاتنظر الى من هو فوقك، فإن ذلك أقنع لك وأحرى أن تستوجب الزيادة، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين والبصيرة أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين).
وملخص الأجابة عن سؤال هذا اللقاء هو أن البصيرة تعني المعرفة القلبية التحقيقية المستندة الى نور العقل السليم.
وهي من صفات أولياء الله الصادقين وبها تقبل أعمال الإنسان ويبلغ الكمال. وبدونها يكون كالانعام بل أضلّ سبيلا.
ويتفرع سؤال آخر هو ما هي العوامل التي تحرم الإنسان من نور البصيرة؟
سؤال مهم نوكل الإجابة عنه الى حلقة مقبلة من البرنامج بأذن الله.
نشكر لكم أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامج(أسئلتنا وأجوبة الثقلين). دمتم بكل خير وفي أمان الله.