البث المباشر

مقتل الامام الحسين عليه السلام ملخص مكتوب.. القسم الثاني

الأحد 14 يوليو 2024 - 11:21 بتوقيت طهران
مقتل الامام الحسين عليه السلام ملخص مكتوب.. القسم الثاني

واقعة مقتل الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

 

الأمان

 

وصاح الشمر بأعلى صوته: أين بنو اُختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ فأعرضوا عنه، فقال الحسين: «أجيبوه ولَو كان فاسقاً»، قالوا: ما شأنك وما تريد؟ قال: يا بني اُختي أنتم آمنون، لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد. فقال العبّاس: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له، وتأمرنا أنْ ندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء.

 

الحملة الاُولى

 

وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير ابن زياد إنّي أول من رمى. ثمّ رمى النّاس، فلَم يبقَ من أصحاب الحسين أحد إلاّ أصابه من سهامهم، فقال (عليه السّلام) لأصحابه: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه، فإنَّ هذه السّهام رسل القوم إليكم». فحمل أصحابه حملةً واحدةً واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً.

 

وخرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد فطلبا البراز، فوثب حبيب وبرير، فلم يأذن لهما الحسين (ع). فقام عبد الله بن عمير الكلبي، من بني عليم، وكنيته أبو وهب، وكان طويلاً شديد السّاعدين بعيد ما بين المنكبين، شريفاً في قومه شجاعاً مجرّباً، فأذن له وقال: «أحسبه للأقران قتّالاً». فقالا له: مَن أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير، وكان يسار قريباً منه فقال له: يابن الزانية أوَبك رغبةً عن مبارزتي؟ ثمّ شدّ عليه بسيفه يضربه، وبينا هو مشتغل به إذ شدّ عليه سالم، فصاح أصحابه قد رهقك العبد فلم يعبأ به، فضربه سالم بالسّيف فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابعه، ومال عليه عبد الله فقتله. وأقبل إلى الحسين يرتجز وقد قتلهما.

 

وأخذت زوجته اُمّ وهب بنت عبد الله بن النمر بن قاسط، عموداً، وأقبلت نحوه تقول له: فداك أبي واُمّي قاتِلْ دون الطيّبين ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. فأراد أنْ يردّها إلى الخيمة، فلَم تطاوعه وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن أدعك دون أنْ أموت معك. فناداها الحسين (ع): «جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً، ارجعي إلى الخيمة، فإنّه ليس على النّساء قتال»، فرجعت.

 

مبارزة الاثنين والاربعة

 

ولمّا نظر مَن بقي من أصحاب الحسين إلى كثرة مَن قُتل منهم، أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين في الذبّ عنه والدفع عن حرمه، وكلّ يحمي الآخر من كيد عدوّه. فخرج الجابريّان وهما: سيف بن الحارث بن سريع، ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عمّ وأخوان لاُمّ، وهما يبكيان قال الحسين (ع): «ما يبكيكما؟ إنّي لأرجو أنْ تكونا بعد ساعة قريرَي العين». قالا: جعلنا الله فداك، ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك؛ نراك قد اُحيط بك ولا نقدر أنْ ننفعك. فجزاهما الحسين خيراً. فقاتلا قريباً منه حتّى قُتلا.

 

وجاء عبد الله وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريّان فقالا: قد حازنا النّاس إليك. فجعلا يقاتلان بين يدَيه حتّى قُتلا.

 

وخرج عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبد الله العائذي، وشدّوا جميعاً على أهل الكوفة فلمّا أوغلوا فيهم، عطف عليهم النّاس وقطَعوهم عن أصحابهم، فندب إليهم الحسين أخاه العبّاس فاستنقذهم بسيفه، وقد جُرحوا بأجمعهم، وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدوّ فشدّوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح، وقاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد.

 

استغاثة وهداية

 

ولمّا نظر الحسين إلى كثرة مَن قُتل من أصحابه، قبض على شيبته المقدّسة وقال: «اشتدّ غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولداً، واشتدّ غضبه على النّصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه، واشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله، لا اُجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي، ثمّ صاح: أما من مغيث يغيثنا! أما من ذابّ يذبُّ عن حرم رسول الله!» فبكت النّساء وكثر صراخهن.

 

وسمع الأنصاريّان سعد بن الحارث وأخوه أبو الحتوف استنصار الحسين (ع) واستغاثته وبكاء عياله ـ وكانا مع ابن سعد ـ فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين (ع) وقاتلا حتّى قُتلا.

 

ثبات الميمنة

 

وأخذ أصحاب الحسين (ع) ـ بعد أن قلّ عددهم وبان النّقص فيهم ـ يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في أهل الكوفة. فصاح عمرو بن الحَجّاج لأصحابه: أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلّا قتلوه على قلّتهم، والله لَو لَم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، ارسِل في النّاس مَن يعزم عليهم أنْ لا يبارزهم رجل منهم، ولَو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليكم.

 

ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج على مَيمنة الحسين (ع)، فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح، فلَم تقدم الخيل. فلمّا ذهبت الخيل لترجع، رشقهم أصحاب الحسين (ع) بالنّبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين.

 

وكان عمرو بن الحَجّاج يقول لأصحابه: قاتِلوا مَن مَرق عن الدِّين وفارق الجماعة. فصاح الحسين (ع): «ويحك يا عمرو! أعليَّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا من الدِّين وأنت تقيم عليه؟! ستعلمون إذا فارقت أرواحنا أجسادنا مَن أولى بصليّ النّار».

 

مسلم بن عوسجة

 

ثمّ حمل عمرو بن الحَجّاج من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة، فشدّ عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشكارة البجلي، وثارت لشدّة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلاّ ومسلم صريع وبه رمق. فمشى إليه الحسين (ع) ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين (ع): «رحمك الله يا مسلم! (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)». ودنا منه حبيب وقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم، أبشِر بالجنّة. فقال بصوت ضعيف: بشّرك الله بخير. قال حبيب: لَو لَم أعلم أنّي في الأثر لأحببت أنْ توصي إليَّ بما أهمّك. فقال مسلم: اُوصيك بهذا وأشار إلى الحسين (ع) أنْ تموت دونه. قال: أفعل وربِّ الكعبة. وفاضت روحه بينهما. وصاحت جارية له: وا مسلماه! يا سيّداه! يابن عوسجتاه! فتنادى أصحاب ابن الحجاج: قتلنا مسلماً.

 

فقال شبث بن ربعي لمَن حوله: ثكلتكم اُمّهاتكم! أيقتل مثل مسلم وتفرحون! لَربَّ موقف له كريم في المسلمين رأيتُه يوم آذربيجان، وقد قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين.

 

الميسرة

 

وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين (ع) فثبتوا لهم حتّى كشفوهم، وفيها قاتل عبد الله بن عمير الكلبي فقتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، وشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى، وقطع بكر بن حي ساقه.

 

فاُخذ أسيراً وقُتل صبراً، فمشت إليه زوجته اُمّ وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول: هنيئاً لك الجنّة أسأل الله الذي رزقك الجنّة أنْ يصحبني معك. فقال الشمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود، فشدخه وماتت مكانها، وهي أول امرأة قُتلت من أصحاب الحسين (ع).

 

وقطع رأسه ورمى به إلى جهة الحسين فأخذته اُمّه ومسحت الدم عنه، ثمّ أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء فردّها الحسين (ع) وقال: «ارجعي رحمك الله فقد وضِع عنك الجهاد». فرجعت وهي تقول: اللهمّ، لا تقطع رجائي. فقال الحسين (ع): «لا يقطع الله رجاءك».

 

وحمل الشمر حتّى طعن فسطاط الحسين (ع) بالرمح وقال: عليَّ بالنّار لاُحرقه على أهله. فتصايحت النّساء وخرجن من الفسطاط، وناداه الحسين (ع): «يابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي؟! أحرقك الله بالنّار». وقال له شبث بن ربعي: أمرعباً للنّساء صرت؟ ما رأيت مقالاً أسوأ من مقالك، وموقفاً أقبح من موقفك. فاستحى وانصرف.

 

وحمل على جماعته زهير بن القين في عشرة من أصحابه حتّى كشفوهم عن البيوت.

 

عزرة يستمد الرجال

 

ولمّا رأى عزرة بن قيس ـ وهو على الخيل ـ الوهن في أصحابه والفشل كلّما يحملون، بعث إلى عمر بن سعد يستمدّه الرجال، فقال ابن سعد لشبث بن ربعي: ألا تقدم إليهم؟ قال: يا سبحان الله! تكلّف شيخ المصر، وعندك مَن يجزي عنه. ولَم يزل شبث بن ربعي كارهاً لقتال الحسين، وقد سُمع يقول: قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين، ثمّ عدونا على ولده وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية، ضلال يا لك من ضلال! والله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً، ولا يسدّدهم لرشد. فمدّه بالحصين بن نُمير في خمسمئة من الرماة، واشتدّ القتال، وأكثر أصحاب الحسين (ع) فيهم الجراح حتّى عقروا خيولهم وأرجلوهم، ولَم يقدروا أنْ يأتوهم من وجه واحد؛ لتقارب أبنيتهم. فأرسل ابن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم وعن شمائلهم؛ ليحيطوا بهم. فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (ع) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو ينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب فيعقرونه.

 

فقال ابن سعد: احرقوها بالنّار فأضرموا فيها النّار. فصاحت النّساء ودُهشت الأطفال، فقال الحسين (ع): «دعوهم يحرقونها، فإنّهم إذا فعلوا ذلك لَم يجوزوا إليكم». فكان كما قال (ع).

 

أبو الشعثاء

 

وكان أبو الشعثاء الكندي ـ وهو يزيد بن زياد ـ مع ابن سعد، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (ع) صار معه، وكان رامياً فجثا على ركبتَيه بين يدَي الحسين ورمى بمئة سهم والحسين (ع) يقول: «اللهمّ سدّد رميته، واجعل ثوابه الجنّة». فلمّا نفدت سهامه قام وهو يقول: لقد تبيّن لي أنّي قتلت منهم خمسة. ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة نفر وقُتل.

 

الزوال

 

والتفت أبو ثمامة الصائدي إلى الشمس قد زالت، فقال للحسين (ع): نفسي لك الفداء، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، لا والله لا تُقتل حتّى اُقتل دونك، واُحبّ أنْ ألقى الله وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين (ع) رأسه إلى السّماء وقال: «ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أول وقتها، سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نصلّي». فقال الحصين: إنّها لا تُقبل.

 

حبيب بن مظاهر

 

فقال حبيب بن مظاهر: زعمت أنّها لا تُقبل من آل الرسول وتُقبل منك يا حمار؟! فحمل عليه الحصين فضرب حبيبُ وجه فرسه بالسّيف، فشبّت به ووقع عنه واستنقذه أصحابه فحملوه، وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً، فقتل على كبره اثنين وستّين رجلاً، وحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه، وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط إلى الأرض، فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسّيف على رأسه فسقط لوجهه، ونزل إليه التميمي واحتزّ رأسه فهدّ مقتلُه الحسين (ع) فقال: «عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي»، واسترجع كثيراً.

 

الحرّ الرياحي

 

وخرج من بعده الحرّ بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين ـ يحمي ظهره ـ فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شدّ الآخر واستنقذه، ففعلا ساعة وإنّ فرس الحرّ لمضروب على اُذنَيه وحاجبَيه والدماء تسيل منه، فبرز إليهم وهو يرتجز ويقول:

 

إنِّي أنَا الحر ومأوى الضيف ** أضرِبُ في أعناقكم بالسيفِ

عن خَيرِ مَن حَلَّ بِلاد الخيف ** أضرِبُكُم ولا أرَى مِن حَيفِ

 

وجعل يقاتل راجلاً حتّى قتل نيفاً وأربعين، ثمّ شدّت عليه الرجّالة فصرعته. وحمله أصحاب الحسين (ع) ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه والحسين (ع) يقول: «قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيّين» ثمّ التفت إلى الحرّ ـ وكان به رمق ـ فقال له، وهو يمسح الدم عنه: «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك، وأنت الحرّ في الدنيا والآخرة». ورثاه رجل من أصحاب الحسين، وقيل: علي بن الحسين.

 

لَنعم الحرُّ حرُ بني رياح

صبور عند مشتبك الرماح

ونعم الحرُّ إذ فادى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباح.

مقتل الامام الحسين.. القسم الثالث

يتبع...

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة