موضوع البرنامج:
الحق أحق أن يتبع
حوار مع السيد محمد الشوكي حول معايير معرفة المهدي الحقيقي
رسالة أراحت من الحيرة
إلام انتظاري يا بن فاطمة الزهرا
الا تنقضي اعوام غيبتك الكبرى
بما طال ليل الدين حتى كأنما
تمطى به باعاً إذا ما دنت شبرا
قضينا بها الفا ونيفاً وما انقضت
أما ملئت ظلماً أما ملئت جورا
فديناك قم من غير أمر وإنما
دعوناك أن تبدي بنا النهي والامرا
فيا ابن الدين شمل الدين أمسى مبدداً
وكم هتكت أيدي الضلال له سترا
وامسى كتاب الله يُتلى محرفاً
ويوشك أن يُرمى برمته هجرا
فاكبادنا حرى وأعيننا عبرى
على ديننا طوراً وأنفسنا طورا
على ايها يا غيرة الله صبرنا
وكم من دم لله فيه مضى هدرا
*******
بسم الله وله المجد والحمد رب العالمين، وأزكى الصلاة واتم التسليم على قوام دينه المبين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اخرى من برنامج شمس خلف السحاب وقد افتتحناها بأبيات في التشوق لتعجيل ظهور مهدينا الموعود (سلام الله عليه)، إخترناها من قصيدة للاديب الولائي العالم ابي سهل احمد قفطان الرياحي السعدي (رضوان الله عليه). ويشتمل هذا اللقاء على فقرات اخرى هي:
- وصايا مهدوية عنوانها: الحق احق ان يتبع
- وحديث لسماحة السيد محمد الشوكي عن معايير معرفة المهدي الحقيقي
- وحكاية عنوانها: رسالة اراحت من الحيرة
*******
نتابع في الفقرة التالية الاكارم التعرف على وصايا امام زماننا المهدي (عليه السلام) من خلال التدبر في المروي من كلامه، عنوان الفقرة هو:
الحق احق ان يتبع
قال مولانا امام العصر المهدي (ارواحنا فداه): «فليدعو عنهم اتباع الهوى وليقيموا على اصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما سُتر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا ستر الله فيندموا وليعلموا ان الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا الا ضال ٍ غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعويض دون التصريح».
الكلمات المتقدمة هي خاتمة رسالة كتبها مولانا بقية الله خاتم الاوصياء (عجل الله فرجه) الى سفيريه الاول والثاني في الغيبة الصغرى بشأن ميل بعض الشيعة يومذاك الى القول بأمامة جعفر عمه ونفيهم لامامة الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام) بسبب عدم مشاهدتهم له.
هذه الرسالة رواها الشيخ الصدوق في كتابي كمال الدين ومعاني الاخبار وقد اشتملت على مجموعة من اهم الوصايا المهدوية لمؤمني عصر الغيبة خاصة.
وقد عرضنا في الحلقات السابقة لطائفة من هذه الوصايا القيمة ونستنير في هذا اللقاء بتلك التي تشتمل عليها خاتمة الرسالة.
الوصية الاولى: هي في قوله (عليه السلام) :(ليدعوا عنهم اتباع الهوى).
وفيها تحذير من اتباع الهوى، اي ان يجعل الانسان حركته ومواقفه نابعة لما تهواه وتميل اليه نفسه وليست تابعة لما يرضاه الله واوليائه عزوجل.
ولا يخفا عليكم ان النصوص الشريفة تصرح بأن السقوط في الفتن المظلة والانسياق وراء دعوات ائمة الضلال ناشئ في واقعه من اتباع الهوى، ولذلك امرنا ائمة الهدى (عليهم السلام) ان نلجأ الى الله عزوجل مستعيذين من اتباع الهوى لان كثير من مصدايقه تكون خفيه يصعب تمييزها؛ فمثلاً جاء في آخر الدعاء المأثور بعد زيارة الامام محمد الجواد (عليه السلام): «اللهم صلي على محمد وآل محمد وأرني الحق حقاً فأتبعه والباطل باطلاً فأجتنبه ولا تجعله متشابهاً فاتبع هواي بغير هدى منك واجعل هواي تبعاً لطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي واهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».
اما الوصية الثانية: فهي التي يشتمل عليها قوله (عليه السلام : )وليقيموا على اصلهم الذي كانوا عليه).
وهذه الوصية هي ايضاً مما وردت بشأنها عدة من الاحاديث الشريفة للنجاة من الفتن المضلة في عصر الغيبة والمراد منها الرجوع دائماً الى ما عرفوا يقينا من الحق ويلتزموا به لكي لا ينجرفوا وراء ادعاءات اصحاب الفتن؛ فقد روي في كمال الدين عن زرارة بن اعين عن الامام الصادق (سلام الله عليه) قال: يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، قال زرارة فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟
قال (عليه السلام): يتمسكون بالامر الذي هم عليه حتى يتبين لهم.
والوصية الثالثة: مكملة للثانية وهي في قوله (عجل الله فرجه): (ولا يبحثوا عما سُتر عنهم فيأثموا ولا يكشفوا ستر الله فيندموا(.
وهذه الوصية ترتبط بكشف اسرار آل محمد (صلى الله عليه وآله) وما يضر بالمخطط الرباني لتربية المؤمنين في عصر الغيبة وكذلك ما يضر بمسار تحركات الامام المهدي في غيبته (عجل الله فرجه).
اما الوصية الرابعة: فهي تؤكد على ان يقوي المؤمنون في قلوبهم الايمان الصحيح بولاية وإمامة ائمة الهدى خاصة خاتم الاوصياء (سلام الله عليهم) ويرسخوا الارتباط الوجداني به (ارواحنا فداه) لان ذلك هو ضمان النجاة من مختلف اشكال الانجرافات العقائدية والسلوكية، قال (عليه السلام) في ختام رسالته: )وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا الا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا الا ضال غوي...(.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج شمس خلف السحاب بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة السيد محمد الشوكي اهلاً ومرحباً بكم:
معايير معرفة المهدي الحقيقي
المحاور: السلام عليكم احبائنا وسلام على ضيفنا الكريم في هذه الحلقة سماحة السيد محمد الشوكي، سماحة السيد في الحلقة السابقة اجبتم عن السؤال المحوري الذي تدور حوله كثير من اسئلة المستمعين فيما يرتبط بالمحددات التي على ضوئها نتبين صدق او زيف اصحاب الشعارات المهدوية بينتم محددين اساسيين، الاول صدق النسب والثاني الصفات التي ذكرتها الاحاديث الشريفة لشكل الامام سلام الله عليه المهدي الحقيقي تفضلوا ببيان باقي هذه المحددات؟
السيد محمد الشوكي: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد، التحديد الثالث هو التحديد العمري، طبعاً هذه المحددات ملاحظة مهمة لا تؤخذ مجتزأة وانما تؤخذ في اطار ككل، وكل من يدعي المهدوية نطبق عليه جميع هذه المحددات، فان صدقت فيه فهو والا فلا، فالمحدد الثالث هو المحدد العمري، طبعاً لا نقصد مقدار عمره الشريف لاننا لا نعلم متى سيظهر (عليه السلام) ولكن مقصودنا هو عمره عند ظهوره، او المرحلة والصورة له اذ بان ظهوره، وقد اشار الائمة (عليهم السلام) الى هذا المعنى فقد سأل مثلاً الحكم ابن ابي نعيم الامام الباقر (عليه السلام) قائلاً انت المهدي؟
قال: كلنا يهدي الى الله، يعني كلنا مهدي.
قال: انت الذي تقتل اعداء الله؟ يعني المهدي الموعود المنتظر الذي سوف يقتل اعداء الله ويظهر على يديه الدين؟
قال: يا حكم كيف اكون انا وقد بلغت ٤٥ سنة، الامام يشير الى هذا المحدد، وان صاحب هذا الامر، اقرب عهداً باللبن مني واخف على ظهر الدابة، ولهذا ورد في الروايات انه يخرج شاباً (عليه السلام) كما في حديث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه من السنة "الداني في سننه" يقوم آخر الزمان رجل من عترتي شاب حسن الوجه، حيث صرح بانه شاب، او ما رواه الشيخ الطوسي في الغيب عن الامام الباقر (عليه السلام) عن امير المؤمنين (سلام الله عليه) قال: هو شاب مربوع حسن الوجه، او ما رواه المقدسي الشافعي عن الامام الحسين (عليه السلام) قال: لو قام المهدي لانكره الناس لانه يرجع اليهم شاباً موفقاً ومن اعظم البرية ان يخرج اليهم صاحبهم شاباً وهم يحسبونه شيخاً كبيراً، وروي مثله عن الامام الصادق (عليه السلام)، ولدينا روايات كثيرة في ذلك انه يخرج شاباً (سلام الله عليه)، وفي بعضها انه في صورة الشاب في العقد الثالث من عمره الشريف، على هذا من يدعي هذا الامر اذا كان شيخاً كبيراً مثلاً او حدثاً جداً هذا يكون امارة على تكذيبه، المحدد الرابع هو المحدد الزمني، واقول لا نقصد به تحديد زمن خروجه فانه لا يعلمه الا الله تعالى، وكل من يحدد زمن له فهو متخرص يقول بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، ولكننا نقصد بذلك التحديد العام لزمن خروجه، فكونه مثلاً يخرج في وتراً من السنين كما روى المفيد رحمة الله عليه عن الصادق (عليه السلام) لا يخرج القائم الا في وتر من السنين، سنة احدى او ثلاث او خمس او سبع او تسع، او انه مثلاً يظهر (عليه السلام) في شهر محرم الحرام، وانه يظهر في يوم العاشر منه، وانه يظهر في يوم السبت كما وردت بذلك الروايات الشريفة، هذا ايضاً من المحددات المهمة فمن يظهر مثلاً في سنة زوجية او في شهر رجب او في شهر شوال او في غير يوم عاشوراء هذا يكون قرينة على الخلاف قرينة نفي وليس قرينة اثباتية، خامساً التحديد المكاني وذلك من خلال تحديد مكان خروجه وظهوره سلام الله عليه وهو مكة المكرمة حيث سيظهر هناك ويأتي اليه خواص اصحابه ويبايعونه بين الركن والمقام وهذا امر ثابت في الروايات الشريفة، ولدينا مجموعة من الروايات تدل على هذا المعنى، وبالتالي فاذا ادعى بعض المدعيين انه المهدي (سلام الله عليه) مثلاً في المغرب او في السودان او في الهند او في شيراز او في النجف او في البصرة لا تقبل دعواه وتكون هذه امارة على كذب دعواه وليست امارة اثباتية، فهذا هو المحدد الخامس والمشخص الخامس وهو المحدد المكاني وهو من المحددات المهمة ايضاً.
المحاور: سماحة السيد محمد الشوكي هل توجد محددات اخرى؟
السيد محمد الشوكي: لا شك هناك تحديد ويحتاج الى حديث مستفيض التحديد بعلامات الظهور والتحديد الاعجازي يحتاج الى وقفة اخرى ان شاء الله.
المحاور: السيد محمد الشوكي شكراً لكم، وشكراً لكم احبائنا وانتم تتابعون ما تبقى من البرنامج.
*******
أحباءنا في الفقرة التالية من البرنامج ننقل حكاية روتها المصادر المعتبرة تشتمل على عبر مهمة لها إرتباط وثيق بما تقدم من فقرات البرنامج، إخترنا لهذه الحكاية العنوان التالي:
رسالة اراحت من الحيرة
حكاية هذه الحلقة ننقلها الاكارم من كتاب فرج الهموم للسيد الجليل علي بن طاووس (رضوان الله عليه) مسندة الى ابي العباس أحمد السراج الدينوري وملخصاً أنه خرج من اردبيل الى مدينة دينور وهو في طريقه لحج بيت الله الحرام؛ فأسبشر اهل مدينته بقدومه إذ كانوا يعرفونه بالديانة والامانة وصدق الولاء وكانوا يومذاك في حيرة بسبب عدم معرفتهم بالخلف بعد الامام العسكري (سلام الله عليه) وكانت قد مضت قرابة السنتين على وفاته وأكثر الناس لا يجدون سبيلاً الى خلفه المهدي (عليه السلام) بسبب الاوضاع الامنية الصعبة يومذاك.
إجتمع شيعة تلك المدينة عند ابي العباس وقدموت له صرراً كثيرة كل منها بأسم رجل من الشيعة مجموع مبالغها ستة عشر الف دينار من الحقوق الشرعية التي يجب تسليمها لخلف العسكري (عليهما السلام).
إعتذر الرجل وقال: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب الى الغائب في هذا الوقت، فأصروا عليه ان يحملها معه وقالوا: إنما إخترناك لحما هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فأعمل على ان لا تخرجه من يديك الا بحجةٍ.
حمل ابو العباس السراج تلك الحقوق الشرعية وخرج في سفره فلما وافى بلدة (قرميسين ) أتاه احمد بن الحسن وكان من وجوه اهل الولاء مقيماً بهذه البلدة فسلمه أمولاً مماثلة وقال: احمل هذا ولا تخرجه من يدك الا بحجة.
إسترجع الرجل وتوكل على الله طالباً منه الهداية والعون لتسليم هذه الامانات الى اهلها، ولما ورد بغداد لم يكن همه غير البحث عمن أشير اليه بالنيابة عن صاحب الامر (عليه السلام) فقيل له: إن ها هنا رجلاً يدعي النيابة يُعرف بالباقطاني وآخر يُعرف باسحق الاحمر يدعي النيابة وثالا يُعرف بأبي جعفر العمري يدعي النيابة بدأ بالاول والثاني فوجد لكل منها خدماً وحشماً وثراءً، ورحب كل منهما به بعد معرفة ما يحمله لكن أياً منهما لم يأت بحجةٍ لكي يسلمه الاموال كما اشترط أصحابها رغم أنه أمهل كلاً منهما ثلاثة ايام.
قال ابو العباس: فصرت الى ابي جعفر العمري فوجدته شيخاً متواضعاً قاعداً على لبد بيت صغير ليس له غلمان ولا ماوجدت لغيره.
ولما أخبره بأمره قال له ابو جعفر العمري ـ وهو ثاني سفراء الصاحب في غيبته الصغرى ـ: إن احببت ان يصل هذا الشيء الى من يجب ان يصل اليه تخرج الى سرَّ من رأى وتسأل عن دار ابن الرضا وعن فلان الوكيل، فأنك تجد هناك ما تريد.
ذهب هذا العبد الصالح الى سامراء ووصل الى الوكيل الذي ذكره ابو جعفر فأحسن ضيافته وبعد ان مضى من الليل ربعه جاء اليه الوكيل وهو يحمل رسالة الامام (عليه السلام) وفيها اخبار بتفصيلات كل ما يحمله معه وأسماء أصحاب الاموال التي استلمها جميعاً، وذكر اسم صاحب صرة لم يُكتب إسمه عليها قال احمد بن محمد الدينوري: فحمدت الله وشكرته على ما من ّ به عليّ من إزالة الشك عن قلبي.
ثم ان الوكيل أمره بتسليم جميع ما معه الى حيث يأمره ابو جعفر العمري، فرجع الى بغداد ونفذ الامر ثم خرج الى الحج.
وبعد ان اتم حجه، رجع ابو العباس السراج الى بلدته دينور فاجتمع مرسلوا تلك الامانات عنده فأخبرهم بما جرى، ثم اخرج لهم رسالة الامام (عليه السلام) وقرأها عليهم بجميه ما ورد فيها من تفصيلات تلك الحقوق الشرعية وأسماء أصحاب تلك الصرر؛ فلما جاء ذكر اسم صاحب الصرة التي عليها اسم صاحبها سقط أحد الحاضرين مغشياً عليه، فلما افاق سجد شكراً لله عزوجل وقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية، الآن علمت ان الارض لا تخلو من حجة لله.
ولما سألوه عن الامر أخبرهم ان صاحب تلك الصرة سلمها له سراً ولم يعلم بذلك الا الله عزوجل.
*******