ومن طلائع الصادقين المخلصين لله ولرسوله صلى الله عليه واله هو مصعب بن عمير الصحابي المهاجر الوفي لرسول الله صلى الله عليه واله، هذا الشاب يكنى بأبي عبد الله وطبعاً هذه الكنية وضعها له رسول الله صلى الله عليه واله بعدما احرز النبي ميله اليه، كأنه في مكة المكرمة هناك عدد من الشبان عشقوا رسول الله، كثرة التخلف الاجتماعي او حالة الهمجية والفوضى فظهور انسان مثالي، شخصية متكاملة كشخصية رسول الله هذا كان مثيراً للانظار والخواطر وغالباً ركز النبي على اجتذاب الشباب بأعتبار انهم الطاقة التي ستؤمن مستقبل الاسلام من قبيل قول المرحوم الشبيبي، الشيخ محمد رضا الشبيبي في مطلع احدى قصائده:
انتم متعتم بالسؤدد
يا شباب اليوم اشياخ الغد
النبي صلى الله عليه واله في البداية ركز توجهه نحو الشباب، استقطاب الشباب ولذلك طواغيت المشركين، طواغيت الجاهلية في مكة شكاواهم الى ابي طالب عليه السلام كانت منحصرة بثلاث عناوين، اشتكوا عند ابي طالب عليه السلام قالوا ان ابن اخيك سفه احلامنا وفرق جمعنا وافسد شباننا، انظر افسد شباننا فهذه الظاهرة كانت لامعة في جهاد رسول الله فنلاحظ معظم الذين انجذبوا الى رسول الله صلى الله عليه واله هم الشباب واول قوة جذبتهم هي محاسن اخلاق النبي، كمالات النبي. من هؤلاء هذا مصعب بن عمير، كان ولداً لأبويه وكان مدللاً، بين سائر اخوانه كانت عنده مواهب ونضوج ولعل هذه المواهب والنضوج هي التي دفعته للتفاعل بشخصية رسول الله وذاب في اريحية النبي وخلق النبي، كان مدللاً عند ابويه ولما نقول مدلل يعني مجمل ولانريد ان نخوض في التفاصيل، شاء الله سبحانه وتعالى لهذا الفتى ونتيجة مراقبته للنبي انه بالتالي اسلم على يدي رسول الله ولما وصل الخبر الى امه وابيه تبرءا منه وقطعا عنه كل صلة فبقي مع النبي صلى الله عليه واله يعيش عيشة كفاف، هذه الحالات قرأناه في التاريخ قبل خمسين عاماً، قبل اربعين عاماً وسمعناها من اساتذتنا ومن الخطباء الكبار لكن بالتالي رأينا مصاديق عينية وحسية لهذه الحالات، اعرف اكثر من حالة ان شاباً ترك كل ما لديه من مزايا، من مناصب، من اموال وحتى عشيرته تبرأت منه وجاء ليخدم الحق، ليخدم المظلوم وصار يعمل في دولة الاسلام ويعيش في حالة صعبة كما عاش هذا الانسان على مستوى خط الفقر، لماذا؟ المسألة مسألة قيم، مسألة الاخرة ومعها هذه الحياة الصعبة، مسألة جهنم وذلك الترف وتلك الحياة حياة البطر، رأينا هذا بأعيننا وقسماً استشهدوا وصاروا موضعاً للشماتة من اهلهم لكن الشماتة محدودة في الدنيا، انظر كيف تكون الاخرة؟ تبرءوا من مصعب بن عمير وارسلوا اليه صك براءة من امه وابيه وقبيلته بالمقابل اشتدت صلته برسول الله فكان يستمع للنبي وهو يقرأ القرآن يحفظ القرآن مباشرة، اصبح من هؤلاء حفاظ القرآن الذين نسمع عنهم، سبعمئة او سبعين او مئة وسبعين على كل حال اين ما نلاحق العدد نرى في مقدمتهم مصعب بن عمير هذا الشاب. يقولون لما جاء ليسلم على يدي رسول الله كان يلبس لباساً فاخراً، لباس عائلة مترفة فلما رآه النبي جاء ليقر بالشهادتين جعل منه النبي نبراساً، التفت النبي لأصحابه وقال انظروا الى هذا الشاب، ان هذا الشاب نور الله قلبه "الله ينور قلوبنا بحب النبي واهل بيته" بعد ذلك ماذا قال النبي؟ قال انظروا وهو يخاطب المسلمين يعني هذا العدد القليل الذي حوله، انظروا الى هذا الشاب الذي نور الله قلبه لقد رأيته وهو بين يدي ابويه يغذيانه بأطيب الطعام واجمل اللباس فدعاه حب الله ورسوله الى ماترون من الفقر والفاقة يعني هذا سيتحول من حياة القصور، من حياة الترف الى حياة الاكواخ والخبزة اليابسة وربما التمرة اليابسة المتعفة، ما الذي نقله هذه النقلة؟ حب الله ورسوله "الهي املأ قلوبنا بحب نبيك وحب آل نبيك" وحب النبي هو عنوان حب الله سبحانه وتعالى. عاش مصعب بن عمير حياة صعبة واشتدت اكثر في الشعب، ماهو الشعب؟ الشعب حصار، حصر النبي هو ومن آمن به ثلاث سنوات يعني من الجوع والكبت تغيرت ملامح ابدانهم حتى انه يقول المؤرخون ان هذا مصعب بن عمير لما خرج بعد ثلاث سنين مع النبي من هذا الحصار كان يبدو من مظهره انه اكبر سناً بكثير، "من يراني ويسألني سني يقول يظهر اكثر نعم سجون صدام والتعذيب فعل بنا هذا"، هذا مصعب بهذه الحياة الصعبة كلما كانت تضيق به الحياة كان يزداد ايماناً وثقة برسول الله وبالخالق سبحانه وتعالى فبعد ذلك صار مصعب بن عمير الشخصية النموذجية المعتمدة عند رسول الله حتى ان النبي صلى الله عليه واله اوفده الى المدينة وجعله رئيساً للجنة وهم ثلاثة اشخاص، اسعد بن زرارة وذكوان ومصعب بن عمير، ومصعب بن عمير هو كبيرهم، كبيرهم بعنوان الترتيب والترتب بأعتبار انه في التنظيم يجب ان يكون العمل منظماً، هؤلاء الثلاث ذهبوا وترأسهم مصعب بن عمير الى المدينة لنشر الاسلام ولتمهيد واستعداد اهل المدينة لأستقبال رسول الله فذهبوا وتكلموا مع زعماء القبائل وكان لهم اثرهم يعني نحن لما نقرأ ان النبي لما دخل المدينة وخرج اهل المدينة يرددون طلع البدر علينا من ثنيات الوداع هذا كله نتيجة جهود مصعب بن عمير حتى وصلت الحالة به ان حسده بعض المؤمنين خصوصاً يوم احد لما سلمه النبي رايته وهو يذب عن رسول الله، يتلقى الضربات التي توجه الى النبي هذا يدل على مقامه الكبير. هاجم ابي بن خلف الجمحي وامثاله وكان هو يصد الضربات عن رسول الله وكتب الله لهذا البطل ان يستشهد يوم احد، حزن النبي عليه ودفنه بجنب عمه الحمزة تقديراً لهذا الفتى وراح النبي الى زوجته عزاها وبشرها بموقع مصعب في الجنة وفي ذلك اليوم كان عمره اثني واربعين عاماً، اسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******