ومن نوابغ الصادقين المجاهدين بألسنتهم وبوجودهم هو شاعر اهل البيت ابو المستهل الكميت بن زيد الاسدي الكوفي، بعضهم يرويه ابن زياد لكن ما يرجحه بعض المحققين الكميت بن زيد الاسدي الكوفي.
الكميت من مواليد الكوفة عام 61 هجرية يعني ايام استشهاد ابي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه ويعتبر الكميت بن زيد الاسدي من مفاخر شعراء الامامية في القرن الاول والثاني الهجري وهو احد الشعراء الذين رفضوا الانخراط في مدح الطغاة وحبس لسانه وشعره في الدفاع عن اهل البيت (سلام الله عليهم) وقد وصفه ابو عكرمة الضبي فقال لو لا شعر الكميت لم يكن لللغة ترجمان ولا للبيان لسان اما بنو اسد قبيلة الكميت كانوا يفتخرون به ويتجاهرون بأدعائهم انه لو لم يكن لبني اسد منقبة الا الكميت لكفاهم ذلك اما ابو معاذ الهراء يقول ان الكميت بن زيد الاسدي اشعر الاولين والاخرين.
ظهر الكميت في صغر سنه ذكياً موهوباً وشجاعاً وبليغاً، اشتهر في شبابه انه خطيب بني اسد وفقيه الشيعة وحافظ القرآن ونسابة العرب وكان فارساً شجاعاً، اثنى عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منام رآه الكميت، كأنه شاهد انه يلقي قصيدته البائية على رسول الله فلما سمعها النبي فرح وقاله له النبي بوركت وبورك قومك لذلك كانوا بني اسد يتفاخرون ان في بيوتهم شيء من البركة التي تمناها لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) "بوركت وبورك قومك"، هذه القصيدة تعتبر من ارقى شعره البالغ حوالي ستة الاف بيت، القصيدة التي تعرف من القصائد المسماة بالهاشميات ويذكر الكميت فيها محنته في محبة اهل البيت وما عاناه من تهم في الكفر والزندقة مثل اليوم في العراق، في افغانستان، في باكستان، في كل بقاع العالم اذا كان احد يود ال بيت رسول الله يتهم بهذه التهم، فكان خصوم اهل البيت يتهموه، اعداء الله، اعداء الاسلام، فهو نظم هذه القصيدة الرائعة والتي كما نقرأ والتحقيق هكذا يقول انه بلغت ثمانين بيتاً لكن يبدو انه ضاع قسماً منها، القصيدة طويلة ووقت البرنامج لا يسع، مطلعها يقول:
طربت وما شوقاً الى البيض اطرب
ولا لعب مني وذوي الشيب يلعب
ولم تلهني دار ولا رسم
منزل ولم يتطربني بنان مخضب
ولا انا ممن يزجر الطير همه
اصاح غراب ام ترنم ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية
امر سليم القرن ام مر اعضب
الى ان يقول:
ولكن الى اهل الفضائل والنهى
وخير بني حواء والخير يطلب
الى النفر البيض الذين احبهم
الى الله فيما نالني اتقرب
واخيراً ينتهي الى القول، يخاطب اعداء اهل البيت:
فقل للذي في ظل عمياء جوره
ترى الجور عدلاً اين لا اين تذهب
بأي كتاب ام بأي سنة ترى
حبهم عاراً علي وتحسب
ثم يقول رحمه الله:
فطائفة قد كفرتني بحبهم
وطائفة قالوا مسيء ومذنب
ما اشبه اليوم بالبارحة، سبحان الله.
ثم هو يناقش هؤلاء ويدافع عن اهل البيت وعن ظلامتهم ويقول:
قالوا ورثناها ابانا وامنا
وما ورثتهم ذاك ام ولا اب
في هذه القصيدة يذكر ادلة من القرآن ومن الايات لفضل اهل البيت، احقيت اهل البيت، يقول مخاطباً ال الرسالة (سلام الله عليهم):
وجدنا لكم في آل حم آية
تأولها منا تقي ومغرب
وفي غيرها آياً وآياً تتابعت
دان شرقياً لكم ومغرب
الكميت بن زيد الاسدي حظي بصحبة ثلاثة من الائمة (سلام الله عليهم)، اولهم الامام زين العابدين والامام الباقر والامام الصادق وهؤلاء الائمة اكرموه ودعا كل منهم بدعوة خاصة.
الكميت هو احد الشعراء الذين رثوا زيد الشهيد في قصيدة رائعة فضح فيها بني امية فهددوه بقطع لسانه وفي يوم من الايام دخل الكميت على الامام السجاد قال يا مولاي اني مدحتكم بما هو لي زاد يوم القيامة ووسيلة اتباها بها امام جدكم رسول الله ثم قرأ قصيدته، من جملتها:
من لقلب متيم مستهام
غير ما صبوة ولا احلام
اخلص الله لي هواي
فقال الامام السجاد (سلام الله عليه): اني عاجز عن مكافأتك ولكن الله غير عاجز عن ذلك ثم رفع الامام السجاد يديه ودعا له قائلاً: اللهم ان الكميت جاد في محبة رسولك وآله، اللهم احيه سعيداً وامته شهيداً.
ابنه يروي "ورد" يقول دخلت مع ابي الكميت على الامام الباقر وكان عنده ولده الصادق (سلام الله عليهما) فقال ابي الكميت للامام مولاي قلت فيكم شعراً فرحب به الامام وقال اقرأ فقرأ قصيدته:
اضحكني الدهر وابكاني
والدهر ذو صرف والوان
لتسعة في الطف قد غودروا
صاروا جميعاً رهن اكفان
يقول: انتحب الامام الباقر وبكى ولده الصادق وعلا بكاءهما ثم اخذ الامام الباقر يدعو لأبي بصوت عال: "اللهم اغفر للكميت"ويقول لما وصل ابي لهذا البيت:
متى يقوم الحق فيكم
متى يقوم مهديكم الثاني
صاح الامام الباقر: قريباً ان شاء الله، قريباً ان شاء الله.
الكميت يعتبر من شعراء الغدير، المرحوم الاميني ترجم له ترجمة وافية للقارئ بشكل مفصل عن هذا الرجل، عن هذا العالم.
للكميت رائعة من روائع شعره وقد القى قصيدته هذه في احتفال اقامه الامام الباقر يوم الغدير فأنشد الكميت قصيدته التي مطلعها:
نفا من عينيك الارق الهجوعا
ومما تمتري عنها الدموعا
واستمر الى ان يقول في وصف الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:
لدى الرحمن يشفع بالمثاني
وكان لنا ابو حسن شفيعا
الى ان قال:
ويوم الدوح دوح غدير خم
ابان له الولاية مذ اطيعا
ولكن الرجال تدافعوها
فلم ار مثله خطراً منيعا
يقول الكميت نام تلك الليلة واذا في المنام يرى كأنه بين يدي امير المؤمنين والامام يضيف هذا البيت لقصيدته:
فلم ار مثل ذاك اليوم يوماً
ولم ار مثله حقاً اضيعا
فأستمر هو يفضح بني امية في القصيدة قائلاً:
اجاع الله من اشبعتموه
واشبع من بحضرتكم اجيعا
على اي حال في آخر المطاف اقول عاش الكميت حتى الثلث الاول من القرن الثاني الهجري وبطش به بنو امية وسجن عدة مرات وعذب وضرب في بطنه ضرباً مبرحاً فمرض وبقي في حالة نزاع مع الموت، يقول ابنه المستهل ثقل ابي وكان يجود بنفسه يغمى عليه ثم يفيق ويردد: اللهم آل محمد، اللهم آل محمد، اللهم آل محمد وفارقت روحه الدنيا فمات شهيداً صابراً عام 126 هجرية وقبره مشهور في جنوب العراق في مدينة تعرف بأسمه.
*******