من اقطاب الصادقين المخلصين لأهل البيت وللامام امير المؤمنين بالذات هو عضد الدولة البويهي واسمه فنا خسرو بن بويه الديلمي رحمه الله وهذا الرقم المبارك هو من آل بويه وهو من مواليد عام 324 هجرية وطبعاً آل بويه منهم هذا الشاعر المعروف شاعر اهل البيت مهيار الديلمي، آل بويه اخبر عنهم الامام امير المؤمنين (سلام الله عليه) في احدى خطبه والتي اخبر فيها عما يحدث في مستقبل الزمان فضمن ما اخبر عنه تكلم عن آل بويه، اعطى بعض خصائصهم فقال على المنبر في مسجد الكوفة: «يخرج من بني ديلمان بنو الصياد حتى يستشري امرهم فيملكوا الزوراء يعني بغداد ويقلعوا الخلفاء».
فقام اليه رجل قال: اوضح يا ابا الحسن.
قال: ابوهم رجل صياد يملكون بغداد وتستقر لهم الامور واستعرض بعض معالمهم، فعلاً سبحان الله ما مرت السنين حتى تحقق كل ما اشار اليه الامام (سلام الله عليه) وليس الامام بعالم غيب مطلقاً ولكن الامام علي اخذ ذلك من رسول الله والنبي اخذ ذلك عن الله عزوجل اذن فعضد الدولة هو احد ملوك هذا الكيان وهم آل بويه وهذا الرجل الكريم الشريف مفخرة من مفاخر الاسلام في عهده، هو احد بناة مدينة النجف الاشرف وكان بنفسه يشرف على البناء وعلى التخطيط واهم ما في هذا الاطار هو بناء الحرم الحيدري الشريف بصورة جيدة وجديدة وانيقة وكان هذا الرجل عالماً واديباً وشاعراً مجداً ايضاً وولوعاً بالكتب فهو اسس مكتبة ضخمة في النجف الاشرف ونقل كتبه اليها واوقفها وايضاً اسس البذرة الاولى لبناء المدارس العلمية كسكن لطلاب العلم.
المرحوم عضد الدولة البويهي شيعي امامي اثنى عشري وقد ازدهرت ثقافته بسبب علاقته الوطيدة بالشيخ المفيد اعلا الله مقامه وكان يتردد اليه كما اعاد بناء مسجد براثى الذي كان شبه مدرسة ومقر علمي للشيخ المفيد ونشطت الحالة العلمية والحوزوية في عهده وعلى اثر خدماته واصبح عضد الدولة البويهي في القرن الرابع الهجري المع شخصية عملت على نشر الاسلام بفكر اهل البيت، الاسلام الصحيح الصافي هو اسلام فكر اهل البيت.
كان عضد الدولة مشهور بالكرم والشجاعة وقصده الكثير من الشعراء ومنهم ابو الطيب المتنبي الذي مدحه بقصيدة رائعة كان منها قوله:
وقد رأيت بها الملوك قاطبة
وسرت حتى رأيت مولاها
الظاهر انه يقصد بغداد مثلاً.
وقد رأيت بها الملوك قاطبة
وسرت حتى رأيت مولاها
ثم ذكر في قصيدته اسماء ويصل الى عضد الدولة يقول:
اسامي لم تزده معرفة
وانما لذة ذكرناها
اشتهر عضد الدولة كما قلت بالادب شعراً ونثراً وكنموذج من شعره الذي كان يتفاخر به هو جزء من قصيدة له نظمها في مدح مدينة النجف الاشرف وذكر فيها مثوى مولى الموالي امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه فقال رحمه الله، طبعاً هو جار في هذه القصيدة قصيدة دعبل الخزاعي فقال:
سقى الله قبراً بالغري وحوله
قبور بمثوى الطهر مشتملات
ورمساً بطوس لأبنه وسميه
سقته سحاب الغر صفو فرات
و ام القرى فيها قبور منيرة
عليها من الرحمن خير صلاة
وفي ارض بغداد قبور زكية
وفي سر من رأى بها البركات
يعني جمع في هذه المقطوعة، في هذا المقطع من شعره ذكر مراقد اهل البيت عليهم السلام.
اما نثره فأذكر نموذج واحد هو ان واليه يعني المحافظ على دمشق اسمه ابتكين التركي كتب له رسالة، لعضد الدولة بأن الشاك كله صفا لي، الشام يعني ليس فقط دمشق، الشام لبنان، اردن كله هذا الشام وفلسطين والا قديماً الشام فلسطين، القدس، المهم كتب له ابتكين التركي ان الشام كله صفا لي وصار بيدي فأن قويتني بالاموال حاربت القوم في مستقرهم يعني بهذا يشير الى غارات الخصوم والاعداء لكن لنسمع الجواب هنا والابداع والثقافة العالية، اجابه عضد الدولة برسالة بهذا الجواب: «غرك عزك فكتبت ذلك فأخشى فاحش فعلك فلعلك بهذا تهدى» جميل هذا يعني من خلال هذا الابداع في الشعر وفي النظم وفي النثر نعرف مدى ثقافته العربية ومدى صلته بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.
عضد الدولة وخدماته ومشاريعه فيها الكثير لكن انا اشرت الى نزر منها بموجب الوقت الذي يسمح لنا ويكفيه شرفاً وفخراً انه بنى النجف الاشرف وعمر المراقد المحيطة بها بعد ان هدمها اعداء اهل البيت لذلك حقد عليه النواصب والتكفيريون كون انه من مروجي خط اهل البيت في القرن الرابع الهجري وعضد الدولة كان يثني عليه خطباء المنابر والوعاظ والعلماء ويشيدون بخدماته الرائعة وله قصة معروفة مع عمران بن شاهين مرت في حلقة من حلقات هذا البرنامج.
ومن اشهر خدمات عضد الدولة البويهي بناءه مستشفى ضخم في بغداد على نهر دجلة ومشاريع اخرى غير ذلك، عضد الدولة احد الملوك الذين وفروا الامن للعتبات المقدسة في ايران والعراق بالذات فنشطت حركة الزوار وتنقلاتهم وكان يزور النجف الاشرف بأستمرار ويبيت احياناً في الصحن خصوصاً ايام بناء الحرم وكان احياناً للتبرك يمسك بيده القناديل،قناديل الحرم، المصباح، تقرباً الى الله سبحانه وتعالى ومحبة لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وفي الواقع علماء الامامية في هذه البرهة من الزمن ايام آل بويه استطاعوا ان يبنوا مجداً كبيراً لتراث اهل البيت من قبيل الشيخ المفيد اعلا الله مقامه، من قبيل الرضي والمرتضى، من قبيل الشيخ الطوسي اعلا الله مقامه وطبعاً الشيخ الطوسي لما انتقل الى النجف الاشرف يقال انه اكمل المشوار الذي بدأه عضد الدولة البويهي في بناء المؤسسات.
عضد الدولة البويهي كان معروفاً بتواضعه، بعلمه، بأدبه وكان في نفس الوقت شديداً مع اعداء اهل البيت لذلك حقدوا عليه واخيراً توفي عضد لدولة ببغداد في 8 شوال عام 372 هجرية ودفن مؤقتاً في بغداد كأمانة لأنه كان قد اوصى بأن يدفن بجوار امير المؤمنين لكن صعوبات حالت دون ذلك فبعد زوالها نقل الى النجف الاشرف ودفن برواق الحرم الشريف وكتبت هذه الكلمات على صخرة ووضعت على قبره بوصية منه، هذه الكلمة دونها هو: «هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة الذي احب مجاورة هذا الامام المعصوم لطمعه بالخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها والصلاة على محمد وآله الطاهرين».
هذه الصخرة كانت موجودة وقد رأيتها مراراً لكن جاء عدو الله وعدو اهل البيت صدام التكريتي سفاح العراق فأزالها كما ازال الكثير من هذه المعالم وطبعاً هو كان ينوي نبش قبر عضد الدولة وقبور الملوك وحتى قبر الخواجة نصير الدين الطوسي لكنه لم يتمكن وبالتالي رده الله الى ما ارتكب من اعماله ليلاقي ذلك الخزي في الدنيا والاخرة فعضد الدولة البويهي قبره في رواق امير المؤمنين، تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******