البث المباشر

كيف يواجه المؤمن المواقف الصعبة؟!

الأربعاء 10 مايو 2023 - 18:26 بتوقيت طهران
كيف يواجه المؤمن المواقف الصعبة؟!

كيف يواجه الإنسان المؤمن المواقف الصعبة، في الواقع المعقّد القاسي الذي يعيش في داخله، والأوضاع الشديدة التي تحيط به، في نفسه وماله وعرضه وأهله وولده، وفي القضايا التي يعيش لها ويتحرّك من خلالها؟.

هل يسقط أو يتراجع تحت تأثير الآلام والأحزان والمشاكل ليعيش في حالة حيرةٍ واهتزازٍ أو يأسٍ قاتل؟ أو يتوازن فيوحي إلى نفسه بالقوة من خلال التزامه بإيمانه وانفتاحه على ربّه؟.

إنّ الإيمان يمثّل القوة الروحية التي تمنح الإنسان المؤمن المناعة من السقوط حتى لو عاش حال الاهتزاز، لأنّه هو الذي يوحي إليه بأنّ الله هو الربّ الذي يرحم عباده ويلطف بهم، ولا يهملهم ولا يخذلهم، بل يرعاهم برعايته، ويحفظهم بحفظه، حتى إذا ابتلاهم ببعض المشاكل والآلام، فإنه يهيِّىء لهم - بذلك - الأجواء التي تمنحهم القوّة، وتفتح لهم أبواب الفرج.

وهكذا، إذا عرضت له مهمّة تشغل فكره، وتنطلق به من مواقع اهتماماته الصغيرة والكبيرة، لتملأ قلبه بالهمّ، وتثير حياته بالقلق، وإذا نزلت به ملمّة من ملمّات الزمان الصعبة، فأطبقت عليه، وضيّقت عليه عيشه، وإذا عاش الكرب النفسي، والغمّ الشعوري، من خلال الأوضاع الصعبة المحيطة به، فإنّه يلجأ إلى الله سبحانه ليرفع عنه ذلك كلّه، لأنّه الملجأ للإنسان في كلّ حياته، والمجير الوحيد الذي يجيره من كلّ الأخطار، والمغيث الذي يغيثه من كلّ مشكلة.

ودعاء الإمام زين العابدين (ع) "إذا عرَضَتْ له مهمَّةٌ، أو نزلت به مُلِمّة وعند الكرب"، يمثّل نموذجاً من نماذج الابتهالات الروحيَّة في مثل هذه الحالات التي تعرض للإنسان، فيتنفّس من خلالها روح الأمل، ويعيش الإحساس بالطمأنينة الروحية، وذلك في جولةٍ فكريةٍ روحيةٍ في آفاق قدرة الله وسيطرته على الكون والإنسان، فالله هو الذي تحلّ به عقد المكاره، فلا تبقى هناك عقدة عاصية على الحلّ، وهو الذي يكسر الشّدائد في حدّتها وضغطها، فيخفّف تأثيرها في الواقع، وهو الذي يفزع الناس إليه عندما تضيق عليهم أبواب الحياة، فيجدون لديه المخرج حيث لا مخرج، والمنفذ حيث لا منفذ، لأنّه المهيمن على الأمر كلّه.

فالصّعاب تضعف وتهون أمام قدرته التي لا يقف أمامها شيء، وهو الذي أعطى الحياة - بلطفه - نظامها القائم على السببيَّة، فجعل لكلّ ظاهرةٍ قانوناً، ولكلِّ واقعٍ ظروفاً، ولكلِّ نتيجةٍ مقدّماتها، ولكلِّ شيءٍ سبباً، فهو سرُّ سببيَّة الأسباب في الكون كلّه، ما يجعل خضوعها له أمراً تفرضه طبيعتها الذاتيَّة. وهو الَّذي أجرى القضاء في شؤون الكون والإنسان، في حوادث الأمور وتقلّباتها، بقدرته الَّتي شملت كلّ شيء، وهو الَّذي تحرّكت الأشياء على أساس إرادته، ليسير كلّ واحد منها إلى غايته التي حدَّدها الله، فلا حاجة - في حركة الوجود كلّها - إلى قولٍ آمرٍ لتأتمر به، فمشيئتهُ التي تحكم الوجود كلّه هي الَّتي تنطلق منها الحركة، ولا حاجة إلى إصدار نهيٍ منه، لتنـزجر عمَّا لا يريد لها أن تعيش فيه، فإنَّ إرادته هي الَّتي تفرض ذلك.

ولذلك، فإنَّه - وحده - المدعو للمهمَّات، وهو - وحده - المفزع للملمَّات، فهو الَّذي يدفع ما تقتضيه حكمته أن يُدفع، وهو الَّذي يكشف ما يريد له الانكشاف، وهذا ما يدفع المؤمن إلى أن يقف خاشعاً متضرِّعاً بين يدي الله، ليعرض عليه كلَّ همومه وآلامه وكروبه، ليستعين به على ذلك.

وهكذا ينطلق الإيمان بالله، من المعرفة المنفتحة على رحمته ولطفه وقدرته، ليحفظ للإنسان توازنه، وليؤكّد له قوّته، وليثير في نفسه روح الطّمأنينة، ويحقّق له إرادة الثّبات، وذلك عندما تتصاغر التعقيدات الماديَّة أمام القوَّة الإلهيَّة المطلقة.

وهذا ما يجب أن يثيره الدعاة إلى الله، والعاملون في سبيله، في عملية التربية والتوجيه والواقع الحركي في ساحات الصّراع، وهذا ما أثاره النبيّ محمّد (ص) ليلة الهجرة في ما حدّثنا الله عنه:  {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}، فكانت النَّتيجة الروحيَّة الحاسمة: {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا}(التوبة:40).

وهذا ما تعلَّمه المسلمون في صدر الدَّعوة في حديث الله عنهم في كتابه العزيز: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(آل عمران: 173)، فكانت النتيجة الإلهيَّة: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(آل عمران: 174- 175).


* من كتاب "آفاق الرّوح"، ج1.

السيد محمد حسين فضل الله

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة