الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن عناوين الصادقين المخلصين لاهل البيت هو المحدث والعالم الكبير والمؤرخ المرحوم الشيخ عباس القمي طيب الله ثراه، وقد شاء الله سبحانه وتعالى ان يكون مخلداً مدى الدهر، له الكثير من هذه الاعمال الصالحات والباقيات والحسنات لكن خلده الله وخلد ذكره بكتابه الموفق مفاتيح الجنان.
هذا الكتاب هو احد كتب الادعية التي تتجاوز تسعة عشر مؤلفاً عندنا يعني في تراث اهل البيت ولكن سبحان الله الكتاب الموفق والذي لا تخلو منه بقعة من بقاع الدنيا او هكذا نقول لا يخلو منه بيت فيه رائحة الولاء لرسول الله ولاهل البيت الا وفي هذا البيت نسخة من كتاب مفاتيح الجنان.
انا جلت العالم تقريباً وذهبت الى زوايا قد يكون من الصعب الوصول اليها في شرق الارض وغربها ووجدت ايما منزل تطؤه قدمي الا ومفاتيح الجنان امامي، ما هذا التوفيق؟ ما هو السر؟ هذا الكتاب طبع اكثر من مئة مرة وكل مرة تطبع منه الاف النسخ، كتاب مفاتيح الجنان يوجد في هامشه كتاب الباقيات الصالحات واجمالاً اقول ان هذين الكتابين، مفاتيح الجنان وهامشه لا يقتصر على الدعاء والاذكار بعكس ما نتصور بأنه كتاب ادعية لا هذا الكتاب من يقرأه بدقة وهدوء يلاحظ ان هذا الكتاب فيه كل شيء، حكم، مواعظ، نوادر، قصص، تواريخ وبالاضافة الى الادعية في المناسبات طوال السنة وحسب الايام. اذن رأيت من الجدير ان اذكر هذا العالم الكبير ضمن برنامجنا وهو مع الصادقين، الشيخ عباس القمي تغمده الله بواسع رحمته هو اساساً من مدينة قم في ايران، نشأ يتطور فقهياً في مدارسها ثم هاجر الى النجف الاشرف عام 1316 هجرية وهناك تطور وحضر ابحاث كبار مراجع النجف الاشرف إلا أنه كان ملازماً للشيخ النوري، الميرزا النوري اعلا الله مقامه صاحب كتاب مستدرك وسائل الشيعة، كان لصيقاً به واصبح يعرف تلميذه، الشيخ النوري معروف بزهده وتقواه وتربيته، يلمح هذا المعنى او يلحظ في حياة الشيخ عباس القمي اعلا الله مقامه انه كان كثير ما يواظب على حضور مجلس العزاء لاهل البيت واحياناً كان بنفسه يرقى المنبر لذكر المصائب التي مرت على اهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم.
بشكل مقتضب وبقدر ما يتسع البرنامج اذكر آثار هذا الرجل الخالدة، له كتب كثيرة، كتابه الشهير هذا، الاثر المشهور مفاتيح الجنان لكن له كتاب آخر ايضاً اشتهر به وهو تلخيص لموسوعة البحار سماه سفينة البحار، هذا الكتاب ملخص لهذه الموسوعة الضخمة بحيث ان اي موضوع يريده احد يراه اولاً في السفينة يعطي عنه زبدة ويرشده هذا الكتاب الى المكان والجزء الذي يبحث هذا الموضوع في البحار، سفينة البحار، غالباً في مطالعاتنا لما نريد ان نسأل البحار عن موضوع ما اولاً نتجه الى السفينة، سفينة البحار فهو يهدينا الى المكان او الجزء الذي يبحث ذلك الموضوع وهناك له كتاب ثالث المرحوم الشيخ عباس القمي وهو ايضاً كتاب اشتهر به اسمه الكنى والالقاب، هذا الكتاب يبحث عن مئات الشخصيات في التاريخ الاسلامي ولا اعتقد ان مؤلفاً او قارئاً او متابعاً مفكراً يستغني عن هذا الكتاب، الكنى والالقاب ايضاً طبع مرات عديدة، هذا ايضاً من آثار المرحوم الشيخ عباس القمي رحمة الله عليه.
المرحوم عاد الى قم من النجف الاشرف عام 1322 بعد ان قضى ثلاثين عاماً في النجف واصبح يشار اليه بالبنان هناك كعالم وكخطيب ومحدث عائد من النجف الاشرف بعدها بمدة سكن مدينة مشهد المقدسة وجاور عتبة الامام الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) وبقي هناك فترة ثم سافر الى الديار المقدسة البيت الحرام وسفره استغرق ستة اشهر، ذلك اليوم وصعوبة السفر على الجمال وعاد الى مشهد المقدسة وكان هو واحد من اعلام المدينة هناك، التجار والاخيار والعلماء يقتدون به، في مدينة مشهد هذا الرجل بركة اينما يحل، واينما يسكن واينما ينتقل يستغل الوقت لاعطاء نتاج للمدرسة الاسلامية والمكتبة الاسلامية والتراث- فلما رجع من الحج في مشهد المقدسة اخذ القلم بيده وكتب كتاب من انفس مؤلفاته ايضاً وهو كتابه الفوائد الرضوية في شرح علماء الامامية هذا الكتاب اقول بكل جدية من يقرأ هذا الكتاب يتغير في مضمونة يعني يتطور ويرقى الى كمالات، انا اوصي اي مؤمن اي شاب يحب المعرفة ويتوق الى المعرفة ان يقرأ هذا الكتاب الفوائد الرضوية في شرح علماء الامامية وانا طالما استفدت من هذا الكتاب كمصدر من المصادر الموثوقة في برنامجنا هذا مع الصادقين.
اثني عشر عاماً بقي المرحوم الشيخ عباس القمي في مشهد المقدسة وما كان بوده ان يترك جوار الامام الرضا لولا الفتن وهجوم الرؤس على مشهد والقمع البلهوي للعلماء وبعد ذلك النواصب كانوا يقتلون ويغيرون فهاجر من مشهد مكرهاً، يقول انا طالع مكرهاً بسبب هذه الاحداث والفتن والهتك والقتل فهاجر الى النجف الاشرف من جديد وسكن في البداية في مدرسة المرحوم السيد كاظم اليزدي طاب ثراه، كان المرحوم الشيخ عباس القمي ولوع بالسفر وطالما يستخدم سفراته لنشر المعرفة وعلوم اهل البيت اما تواضعه فلا ادري، الوقت لا يسع، يقولون يوم من الايام في سرداب الغيبة زائر بيده كتاب مفاتيح الجنان والزائر لا يدري ان مؤلف الكتاب الشيخ هذا بجنبه اخذ يمدح الكتاب ويمدح المؤلف وإذا بالشيخ يقول له مدحك للكتاب صحيح اما مدحك للمؤلف لا اعتقد وهذا حسن ظن فتأثر الرجل ثم بعد ذلك انتبه بأن مؤلف الكتاب هو الذي بجنبه وهذه اذكرها ايضاً ان هذا الشيخ على عظمته كان اذا صادف علوياً لابد ان يقبل يده صغيراً او كبيراً واذا شرب ماء او شربت اذا سيد بجنبه يقول اشرب منه ثم هو يشرب، حياة هذا الرجل كلها فضائل ومحاسن، اكثر من ستين مؤلفاً وكتاباً ترك للمدرسة الاسلامية وبعد ذلك مرض تسعين يوماً ويوم وفاته جاؤا له بشراب كانت علوية صغيرة بجنبه فأمر ان تشرب منه ثم شرب وتوفي بعدها، في التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة عام 1359 هجرية ودفن في مقبرة استاذه الميرزا النوري بالنجف الاشرف في الصحن الحيدري. اسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******