الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن اعلام الصادقين هو العالم والمجاهد والشاعر الموفق والخطيب اللسن الشيخ محمد الشيباني المشهور بابن نصار النجفي واشتهر باللملومي ايضاً لملوم هي قرية على شاطئ الفرات قريبة من مدينة الشنافية اندرست بسبب الخنياب والفيضان ويغرق شط الفرات جانباه فانتشر اهل القرية في مدن متفرقة، الشيخ محمد بن نصار لم نعرف بدقة تاريخ ولادته غير انه نشأ في اسرة علمية وعاش اغلب ايامه في النجف الاشرف حتى يذكر انه صدم رحمه الله حينما فقد اكثر من اربعين نفراً من اسرته دفعة واحدة في مرض الطاعون الذي فتك بالمنطقة عام 1247هجرية، الشيخ محمد نصار شاعر مجد باللغتين الفصحى والدارجة وسبحان الله منذ وعيت انا وعرفت نفسي في العراق في الخليج اذا ما كان الخطيب ومهما كان علمه وصوته اذا ماكان يحفظ شعر بن نصار مايستمزج منبره لان شعره موفق، موفق لانه ناظمه بنية سليمة، نحن نسأل الله ان يجعل اعمالنا لوجه الله واكثر ما يلفت النظر هو موفقية شعره، له ديوان في الشعر الدارج الشعبي يعرف بالنصاريات حينما يقرأ على المنابر يشعر المستمع بانه شعر نظم على التو لتأثيره في النفوس وهذا من اعظم رموز موفقيته، هذا العالم والشاعر له قصائد في القريض ايضاً رثا بها اهل البيت وبالخصوص ابا الاحرار سيد الشهداء ابو عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه ويعجب الانسان حينما يسمع له قصيدة لا تملها النفوس رغم انه يمر اكثر من قرن على نظمها فما من بلد وما من خطيب الا ويذكر قصيدته يوم العاشر من المحرم بل اكثر من هذا، طالما احسست بان الجموع في يوم العاشر من المحرم اذا لم يذكر الخطيب هذه القصيدة تشعر بفراغ ولذلك يفصل في هذه القصيدة كيف اتى الحسين وكأنه حاضر بعينه ويجسد التوديع العاطفي للحسين عليه السلام لعائلته وهي:
من ذا يقدم للجواد ولامتي
والصحب صرعى والنصير قليل
فأتته زينب بالجواد تقوده
والدمع مع ذكر الفراق يسيل
وتقول قد قطعت قلبي يا اخي
حزناً فياليت الجبال تزول
ما في الخيام وقد تفانى اهلها
الا نساء حسر وعليل
ارأيت اختاً قدمت لشقيقها
فرس المنون ولا حمى وكفيل
فتبادرت منه الدموع وقال
يا اختاه صبراً فالفراق طويل
طبعاً القصيدة تشتمل على ستة عشر بيتاً كما وردت في المصادر لكن احد الخطباء القدامى في النجف الاشرف ذكر ان القصيدة اكثر من هذا ربما انقرضت، طبعاً امر ان تدفن هذه القصيدة معه في قبره، هذا العالم والخطيب والشاعر عرف بطيب القلب وحسن المعاشرة وصفاء النية كان شديد المحبة والولاء لاهل البيت بحيث رزق بعدد من الاولاد الذكر فاطلق على كلهم اسم علي وكان يشخصهم بالكنية، كنى احدهم بابي الحسن، ابي الحسين، ابي العباس والرابع بابي محمد هذا مأخوذ من جواب الامام السجاد ليزيد بن معاوية حينما سأله يزيد ما اسمك قال: الامام اسمي علي.
قال يزيد: الم يكن لك اخ قتل في كربلاء؟
فقال له: الامام كان لي اخوان اسمهما علي قتلا في كربلاء.
اربد وجه يزيد وقال: ما الذي دعا اباك الحسين ان يسمي ثلاثة من اولاده باسم علي.
فقال له: الامام زين العابدين ان ابي الحسين احب اباه علياً فلو ولد له الف ولد لسماهم علي وما الذي يضرك من هذا فكم فمه واقحم يزيد، اذن الشيخ محمد بن نصار ينطلق من هذا المنطلق وهو حبه لاهل البيت، طبعاً اسماء اهل البيت حرصاً للبيت وآل البيت. ابن نصار يذكر نكتة حصلت له لما زار الامام الرضا سلام الله عليه، نظم في الامام الرضا قصيدة يقول اكملتها يوم دخولي مدينة مشهد المقدسة وانا انظر للقبة الشريفة مطلع قصيدته:
يا خليلاي غلسا لا تريحا
اوشكت قبة الرضا ان تلوحا
ان قبراً لاطفت فيه ثراه منع
المسك طيبه ان يفوحا
يقول ابن نصار: نمت تلك الليلة واذا في المنام ارى نفسي في حرم الامام وكأن الامام جالس على كرسي والجموع حوله سلمت عليه وسط الجموع وقبلت يداه رحب بي واعطاني صرة وقال لي افتحها فتحتها واذا بها فتاة لا رائحة له فقال الامام هذا مسك اذفر فقلت مولاي لماذا لا رائحة له، الامام ابتسم وهو يقول الست تقول في شعرك:
ان قبراً لاطفت فيه ثراه
منع المسك طيبه ان يفوحا
ان هذا مسك اذفر وقد منع طيب تربتي ان تفوح رائحته، يقول المرحوم الشيخ محمد بن نصار انتبهت وانا مسرور ومعتبراً ذلك علامة قبولي عند الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه، ايها الاخوة المستمعين الاخوات المستمعات من سعادتنا ومن علامات نجاحنا ان تكون نياتنا في كل عباداتنا وفي اعمالنا وحركاتنا هو رضا الله ورضا الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، ما من شك نحن نشاهد العشرات بل المئات نظموا الالاف من الشعر لكن لم نعثر على شاعر مثل هذا العالم الشيخ محمد بن نصار او غيره لم يكن عنده الا شعر ضئيل لكن قصيدة واحدة تحفظ له وجوده وتخلد اسمه على الالسن وعلى افواه الخطباء قرن ونصف من الزمان ما هو السبب، السبب ان العمل من وراءه نية صادقة لخدمة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، هذا الشيخ محمد النصر من قصائده ايضاً الاثية ملحمة شعرية على غرار الدمستاني رحمه الله مطلعها قصيدته يجاري قافية ونظماً، يقول:
شيعة الكرار نوحوا
واندبوا فخر الفخار
بدموع جاريت
من اماقيها غزار
هذه القصيدة ايضاً قصيدة مخلدة مثل قصيدة الدمستاني تغمده الله في رحمته.
الشيخ محمد بن نصار كان دائماً اول ما يخرج من بيته يضع وجهه امام قبة الامام امير المؤمنين ويسلم وينحني ولما يرجع الى بيته يدير وجهه الى قبة الامام امير المؤمنين يسلم وينحني ثم بعد ذلك يغلق باب بيته، احفاده ينقلون يقولون كان الطاعون الوباء الذي اصاب اهل البلد، اقترحوا عليه ان يخرج من المدينة، كان يقول لو قطعوني او بالسياط ضربوني لا اهجر ولا اترك النجف الاشرف، لا اترك جوار امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وكان يستنزف ويستغل الدقيقة الواحدة من حياته في اما ان ينظم شعراً في اهل البيت ونشر فضائلهم او ذكر مصائبهم وهذا هو بحد ذاته جهاد من ارقى انواع الجهاد من باب:
وما فاتني نصركم باللسان
اذا فاتني نصركم باليد
آخر المطاف اذكره توفي المرحوم الشيخ محمد بن نصار اللملومي رضوان الله تعالى عليه عام 1292 هجرية في النجف الاشرف ودفن في الصحن الحيدري بجوار الامام امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******