بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات، تحية طيبة لكم أيها الأحبة وأنتم برفقتنا وهذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنبدأ فيها تفسيراً ميسراً لآيات سورة الصف المباركة؛ حيث أوضحت إهتمامات هذه السورة الحديث عن علو الإسلام على غيره من النحل والأديان السماوية وتتحدث بعض آياتها عن وجوب الجهاد في سبيل الله.
بداية، ندعوكم أيها الأفاضل، بالإستماع الى الآيات الأولى حتى الثالثة من هذه السورة المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم..
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{1} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ{3}
أيها الإخوة والأخوات، تشير الآية الأولى إلى أن المخلوقات كلها، وبحسب الرؤية الإسلامية، تتوفر على مستوى من الشعور والإدراك، وكلها مشغولة بتسبيح الله على طريقتها.
والمقت، أيها الأكارم، هو الغضب الشديد، كما نجد في القرآن ما يشبه هذا التأنيب في الآية الرابعة والأربعين من سورة البقرة حيث يقول عزوجل (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).
وجاء في الرواية عن الإمام الصادق (ع) أن خلف الوعد من مصاديق هذه الآية وذلك في قوله عليه السلام "عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له"
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت معاً خاشعين إلى تلاوة الآيتين الرابعة والخامسة من سورة الصف المباركة..
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ{4} وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{5}
كلمة "بنيان" في اللغة هو البناء؛ و"مرصوص" من الرصاص وهو المعدن المعروف، ومن المراد من الآية أيها الكرام، تشبيه متانة الصفوف بالبناء الذي بني بالرصاص في شدة تماسكه وإحكامه.
وورد أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقرأ الآية الرابعة من سورة الصف في معركة صفين ليحرض المجاهدين على القتال والثبات.
وبالنسبة للآية الخامسة، كما انتقد الله عزوجل في الآيات السابقة القول بلا عمل، فينتقد سبحانه وتعالى الذين يعملون بخلاف ما يعلمون، فهم يعلمون مقام النبي موسى (ع) ومع ذلك يؤذونه.
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: الأفعال الصعبة والشاقة، تحتاج إلى مزيد من الدوافع، من قبيل الحظوة بمحبة الله تعالى.
ثانياً: المعرفة بتاريخ العظماء والقادة الكبار، تعزي المرء وتخفف عنه المصاعب التي يلاقيها في حياته.
ثالثاً: الإنحراف في القول والعمل، يفضي إلى الإنحراف في القلب والروح، والشخصية والهوية والفكر والثقافة.
ورابعاً: المعصية من أسباب الحرمان من الهداية الإلهية.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة مرتلة من الآيتين السادسة والسابعة من سورة الصف المباركة..
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ{6} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{7}
مما تعلمه إيانا هاتان الآيتان المباركتان أولاً: الإسلام أكمل الأديان السماوية؛ ويستفاد هذا المعنى من البشارة به، فالبشارة لا تكون إلا بالأمور التي هي أحسن مما هو موجود.
ثانياً: أنبياء الله تعالى ليس عندهم صفة الحسد، بل يبشر أحدهم بالآخر اللاحق له.
ثالثاً: الإفتراء على الله وعلى دينه من أسوأ أشكال الإفتراء.
رابعاً: من أبشع أنواع الظلم، سد سبل المعرفة في وجوه الناس وحرمانهم من الإهتداء الى الحق.
وخامساً: الهداية والضلال بيد الله سبحانه، ولكن الإنسان هو الذي يمهد المقدمات المؤيدة إلى أحدها.
إلى هنا، إخوة الإيمان، وصلنا وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى اللقاء الآخر تقبلوا تحياتنا ونسألكم الدعاء.