وأوضح بلومبرغ ذلك بأنّ "حكومة نتنياهو تلحق ضرراً بتحالفات إسرائيل في العالم، وبأمنها في المنطقة، وباقتصادها ونظامها السياسي".
وفي مقال طويل تحدث فيه عن حجم الدعم الذي قدمه خلال أكثر من عقدين لـ"إسرائيل" ولمستوطني الاحتلال، عبّر بلومبرغ عن حجم قلقه على مستقبل كيان الاحتلال، مؤكداً أنّ ذلك "يدفعه إلى التدخّل في السياسة الداخلية الإسرائيلية لأوّل مرة وانتقاد الحكومة وسياساتها".
واتّهم بلومبرغ حكومة نتنياهو بأنها "تحاول إلغاء دور القضاء وفعاليته في إسرائيل"، مؤكداً أنه "بحسب القانون الجديد المقترح، يمكن لأغلبية بسيطة في الكنيست أن تنقض قرارات المحكمة العليا في البلاد، وأن تمارس التعسّف ضدّ الحقوق الفردية، بما في ذلك في مسائل مثل حرية التعبير والصحافة وحقوق الأقليات وحقوق التصويت".
وأشار رجل الأعمال اليهودي الشهير إلى مخاوفه من أن "يذهب الكنيست إلى أبعد من ذلك، ليعلن أنّ القوانين التي يقرها غير قابلة للمراجعة من قبل القضاء، وهي خطوة تذكّر بالعبارة الشائنة للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بأنه عندما يفعل الرئيس ذلك، فهذا يعني أنه أصبح غير قانوني".
واعتبر بلومبرغ أنّ "حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تغازل الكارثة من خلال محاولة ادّعاء القوة الذاتية، ما يعرّض للخطر تحالفات إسرائيل في جميع أنحاء العالم، وكذلك أمنها في المنطقة واقتصادها في الداخل، والنظام السياسي الذي بنيت عليه".
الضرر الاقتصادي بدأ بالفعل
وأكّد الملياردير اليهودي أنّ "الشعور بالضّرر الاقتصادي بدأ بالفعل في إسرائيل، كما أظهر هبوط الشيكل"، منوّهاً إلى أنّ "شريحة واسعة من قادة الأعمال والمستثمرين تحدثت علناً ضد اقتراح الحكومة، وتحدثت كذلك سراً عن ضرر ذلك على قطاعاتهم".
كما أشار إلى ما وصفه بـ"العلامة المقلقة"، حيث "بدأ بعض الناس بالفعل في سحب الأموال من البلاد وإعادة تقييم خططهم للنمو المستقبلي هناك"، مضيفاً: "بصفتي مالكاً لشركة عالمية، لا ألومهم".
الخطر لا يقتصر على الاقتصاد
لكن الأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط بالطبع، يضيف بلومبرغ، موضحاً أنّ "أمن إسرائيل يعتمد بجزء كبير على علاقة مع الولايات المتحدة مبنية على قيم مشتركة، والتي لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال الالتزام بسيادة القانون، وإذا تراجعت إسرائيل عن هذا الالتزام طويل الأمد نحو نموذج شبيه بالدول الاستبدادية، فإنها تخاطر بعلاقاتها بالولايات المتحدة والدول الأخرى".
وبيّن بلومبرغ أنّ ذلك "سيكون خسارة مدمّرة لأمن إسرائيل، وسيضر بآفاق الحلّ السلمي للصراع مع الفلسطينيين، وقد يعرّض مستقبل إسرائيل للخطر، كما أنّه سيقوض الارتباط العميق الذي يشعر به الملايين من اليهود حول العالم تجاهها".
من هو مايك بلومبرغ؟
ولد مايكل روبنز بلومبرغ عام 1942 في أحد أحياء مدينة بوسطن الأميركية، ونشأ في عائلة يهودية من الطبقة المتوسطة في ميدفورد، ودرس في جامعة جونز هوبكنز وتخرج عام 1964 بدرجة بكالوريوس العلوم في الهندسة الكهربائية، وفي عام 1966 تخرج من كلية هارفارد للأعمال بدرجة ماجستير في إدارة الأعمال.
عمل بلومبرغ في شركات مالية، وفي عام 1981 امتلك ما قيمته 10 ملايين دولار من الأسهم، وباستخدام هذه الأموال، أنشأ شركة لتقديم معلومات تجارية عالية الجودة إلى شركات "وول ستريت" المالية، وفي عام 1982، أصبحت شركة "ميريل لينش" الشهيرة أوّل عميل للشركة الجديدة، التي أحدثت نقلةً في توزيع المعلومات المالية وجعلت من مؤسسها مليارديراً.
وفي عام 1987، تمّ تغيير اسم الشركة إلى Bloomberg L.P، واليوم تمتلك شركته وكالة "بلومبرغ" الشهيرة، التي أسسها عام 1990.
واليوم، يحتلّ مايك بلومبرغ المرتبة 14 في لائحة أثرى أثرياء العالم بثروة تناهز 80 مليار دولار، بحسب مجلة فوربز الأميركية.
دخوله السياسة وتوجهاته السياسية
وشغل بلومبرج منصب رئيس بلدية مدينة نيويورك لثلاث فترات متتالية منذ 2002، وكان بلومبرغ ديمقراطياً طوال حياته قبل أن يسعى لمنصب انتخابي، ولكنه غيّر انتماءه الحزبي في عام 2001 للترشّح لمنصب رئيس البلدية كعضو جمهوري.
وبعد فوزه بولاية ثانية عام 2005، ترك بلومبرغ الحزب الجمهوري في 2007، وقام بحملة لتغيير قانون حدود الولاية في المدينة للسماح له بالترشّح لولاية ثالثة كرئيس للبلدية، بحجة أن لديه الذكاء المالي اللازم لمساعدة المدينة في مواجهة المناخ الاقتصادي الصعب، وتمّ تبني القرار في عام 2008 بالفعل، فأنفق نحو 90 مليون دولار من أمواله الخاصة على الحملة، وانتخب لولايته الثالثة في عام 2009 كمستقل عن الحزبين.
يهوديته ودعمه لـ"إسرائيل"
على الرغم من أنه التحق بالمدرسة العبرية إلّا أنّ بلومبرغ اليوم يحمل توجهات علمانية، ويميل أكثر إلى التيارات الليبرالية، ولكنه يحضر الطقوس الدينية اليهودية خلال الأعياد، وقد سافر إلى فلسطين المحتلة لأوّل مرة في عام 2007.
وبحسب موقع المكتبة اليهودية، سبق أن تبرّع بلومبرغ بالمال لإعادة تصميم كنيس طفولته في ميدفورد، كما قام ببناء منشأة لـ "نجمة داود الحمراء"، وسميت على اسم والده، وكذلك قام ببناء جناح في مستشفى هداسا في "إسرائيل"، سمّي على اسم والدته، ومشروع لتعزيز الابتكار في المدن المحتلة.
كما تبرّع بمبالغ لدعم رجال الأعمال اليهود الناشئين، وقد استفاد الأخير من دعم يهودي كبير عندما ترشح لمنصب رئيس بلدية نيويورك.
ولا يعتبر بلومبرغ من المنتقدين للاحتلال الإسرائيلي، بل تعدّه المنظمات الإسرائيلية من الداعمين لـ"إسرائيل"، ففي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، رفض بلومبرغ الحظر الذي فرض على السفر جواً من الولايات المتحدة إلى فلسطين المحتلة بعد سقوط صواريخ بالقرب من مطار بن غوريون، وقال لاحقاً إنه "أراد أن يظهر للعالم أنّ اليهود لن يدعوا أبداً الخوف من الإرهاب يبعدنا عن إسرائيل".
كما لعب بلومبرغ دوراً رئيسياً في إنشاء حرم جامعي لأبحاث التكنولوجيا الفائقة في جامعة كورنيل تابع لجامعة "تخنيون" الإسرائيلية في جزيرة روزفلت، إذ تبرعّ بمبلغ 100 مليون دولار للمشروع.
وفي 2018، قام بلومبرغ بتغيير انتمائه الحزبي إلى "ديمقراطي"، وأعلن في 2019 أنه يسعى لنيل ترشيح الحزب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في مواجهة دونالد ترامب، ولكنه انسحب لصالح جو بايدن بعدما حقق الأخير نتائج أفضل منه، وقدّم دعمه لبايدن، بالرغم من إنفاقه عشرات ملايين الدولارات على حملته الانتخابية.
المصدر: صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية