إيران ما قبل الثورة كانت القاعدة الأمريكية المتقدمة في منطقة الخليج (الفارسي) حيث ترتكز أهم ثروات الارض وأكثر الإقتصاديات النشطة في العالم والتي يحقق التحكم بها للأمريكين مكاسب عظمى... وهكذا كان نظام الشاه هو الذراع الامريكي الذي يهدد ويبطش به ويقسم على أنظمة المنطقة الأدوار والنافذة التي من خلالها يمكن الحصول على رضا ومباركة واشنطن... وكان السوفييت في تلك المرحلة يحلمون بكسر الهيمنة الأمريكية وتحويل هذه القاعدة المتقدمة لصالحهم ولكن لم يكن لديهم القدرة والإمكانات لخوض هكذا مواجهة كما لم يكن في صالحهم التغيير الكامل لصورة النظام في طهران.
في ظل هذه الظروف وعلى وقع تحطم معظم الثورات التي إندلعت في القرن العشرين بفعل المد الرأسمالي إنطلقت من إيران ثورة روح الله تحت شعار "لا شرقية ولا غربية" أي من خارج النسق التقليدي الذي شغل العالم منذ بداية القرن العشرين وبمعنى آخر لا تحمل أفكار الشيوعية والإشتراكية لتحييها ولا تنسجم مع الصعود الكبير للرأسمالية إنما هي نسق جديد يحمل أفكاراً محمدية أصيلة كان العالم يظن أنها أنتهت بلا عودة وضمن منطق سياسي لم تألفه المنطقة التي إعتادت الخنوع والإستسلام وآمنت بقوة الهيمنة الأمريكية وعدم جدوى المواجهة تماماً.
الأغرب في هذه الثورة عدم وجود العنصر الشاب في القيادة إنما رجل دين فكان وكأنه ينبعث من آخر ثورات الامام علي ـ عليه السلام ـ ليعلن إنتصار الأهداف الثورية السامية المتصلة بملكوت السماء، كما كان لافتاً أنها كانت ثورة بلا سلاح في وجه نظام قمعي في أوج قوته وجهوزيته، مع دعم غربي كامل، كل هذه العوامل أعطت للثورة الإسلامية فرادتها التاريخية.
جمع روح الله ما تبقى له من عزم وجملة أهدافه الإلهية واعلن ثورة إسلامية كانت الأقوى والأعمق أثراً في العالم للقرن العشرين وقبل أن تدرك الانظمة الجارة لإيران عظمة الثورة وأهميتها كانت امريكا قد فهمت جيداً حجم المأزق وما سيكون لثورة روح الله من صدى فسارعت لحصار الثورة الفتية وحاولت كبح جماحها بشتى السبل من دبلوماسية التآمر ومحاولات الإختراق وقذارة الإغتيالات ووقاحة الحصار وفرض العقوبات... وكل ذلك لم يجد نفعاً، فتم الإيعاز لأذنابها في المنطقة بخوض حرب مباشرة مع الجمهورية الإسلامية علّهم ينجحون في إقتلاع جذوة النصر والثورة التي زرعها روح الله في جموع الأحرار والمستضعفين، وهكذا مضت ثمانٍ من السنين العجاف سفك فيها الدم الثوري دون أي نزف في الأفكار والأيديولوجيا بل على العكس بدأ إشعاع الثورة بالامتداد شرقاً وغرباً يرفد الشعوب المظلومة والثورات المحقة بكثير من الدعم والتوجيه... ورويداً رويداً بدات تنضج الثمار على الصعد العسكرية والامنية والثقافية ومع تزايد هذه الثمار كانت تزداد ضراوة الحرب الأمريكية الغربية وخباثة اساليبها سواء في ميادين الحرب الصلبة أو على منابر الحرب الناعمة ومنصاتها.
الثورة الإسلامية كانت ولا زالت دعوة وحدة إسلامية، وهم دعاة فتنة مذهبية طائفية... الثورة دعوة حوار أديان، وهم أبواق تعصبٍ وفرقة... الثورة الإسلامية دعوة تحرر وحرية، وهم دعاة خنوع وإستسلام وعبودية...
واللافت ان حجم الضخ الإعلامي والمادي المرافق لحملاتهم الهادفة لإسقاط الثورة غير متناسق مع هزالة مكتسباتهم في هذه الحرب، التي (الثورة) لا زالت ربيعا بعد ربيع تثبت صوابيتها وعمق أهدافها وإلتصاقها بمبدأ التكامل الإنساني، وهذا سبب نجاحها وديمومتها رغم كل الظروف.
وهكذا نجد أن هذه الثورة الإسلامية كانت حاضرة في مواجهة العدو الصهيوني في لبنان وفلسطين وكانت ركناً أساسياً في كل إنتصار سواء على الصعيد المادي والتقني أو على المستوى الأيديولوجي، وكان لها مثل هذا الدور في مواجهة المد التكفيري ظاهراً الأمريكي مضموناً في سوريا ولبنان والعراق واليمن ولم تكتفي بمحاربة الوكيل بل خاضت الكباش العلني مع الأصيل الشيطان الأكبر وأثبتت للعالم أن جبروت أمريكا قابل لأن يمرغ بالتراب وأن الشعوب إذا إتخذت قرار المواجهة لا شيء يقف بوجهها كما في كوبا، وفنزويلا، وأن الشعوب المستضعفة كما في اليمن قادرة على رسم مستقبلها والحفاظ على حقوقها في وجه الأنظمة المستكبرة.
ورغم كل محاولات كبح جماح الثورة واستغلال الفرص لتوجيه ضربات لها من خلف الأقنعة لا زال زخمها هادراً وأبلغ مصاديقها اليوم ما نراه في القدس والضفة الغربية من عمليات نوعية تثبت مع مثيلاتها في قطاع غزة أن الحرية مصير طبيعي لمن نهل من ثورة روح الله ومعينها، وأن هذه الثورة لا بد لها أن تصل الى اليوم الذي تسقط فيه كل عروش الاستكبار ذلك لانها ثورة منسجمة مع الفطرة السليمة للإنسانية ومتعارضة مع كل مشاريع الغطرسة والتسلط والإستكبار.
بقلم / الكاتب والمحلل السياسي الدكتور علي حمية
المصدر : وكالة مهر للأنباء