الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن لباب الصادقين ومن مصاديقهم الجليلة واصحاب الجهد والجهود في ميدان التأليف والعلم والادب هو العالم الجليل الشريف الرضي من منا لم يسمع هذا الاسم المبارك هذا العنوان الشهير، الشريف الرضي اعلى الله مقامه وكنيته ابو الحسن وهو من احفاد الامام باب الحوائج الامام الكاظم(ع) وهو يتصل نسبه الى الامام الكاظم عن طريق السيد ابراهيم المجاب الذي هو مدفون في حرم الامام ابي عبد الله الحسين(ع) وله ضريح خاص به والشريف الرضي من مواليد بغداد عام 359 هـ وهو من علماء القرن الرابع وهو تلميذ مبرز للشيخ المفيد اعلى الله مقامه مع اخيه السيد المرتضى الشريف المرتضى وتلمذهما على يد الشيخ المفيد له قصة‌ مشهورة وذكرتها في حلقة خاصة عن الشريف المرتضى اعلى الله مقامه وللشريف الرضي خدمات على اصعدة متعددة مثلاً على صعيد القلم اتكلم اولاً وعلى صعيد التأليف له عدة مؤلفات مشهورة‌ ومشهودة مثلاً‌ له تفسير جداً مهم اسمه حقائق التنزيل وهو من اروع التفاسير وله مؤلفات عديدة ولكن اهم انجازاته على صعيد القلم والتأليف هو كتابه نهج البلاغة، وهو مجموعة خطب ورسائل للامام امير المؤمنين(ع) وقد اثار هذا الكتاب العظيم الجدل وشكك الكثير به وراح البعض يتخرص بأن هذه الخطب من صنع الشريف الرضي وهو ان شر المصيبة ما يضحك فراح يقول البعض انه الشريف الرضي هو الذي دبلجها وهو الذي نقحها، في هذا المسار اذكر قضية حدثت للكاتب والاديب اللبناني شكيب الارسلان، سافر شكيب ارسلان الى اوربا سفرة علمية‌ وعند رجوعه زاره رجال المعرفة واصحاب الفكر والقلم كانوا مجتمعين في منزله ويتحدثون هنا وهناك ودار الكلام حول كتاب نهج البلاغة ‌فطعن به من طعن من الحضار ورغم ان شكيب ارسلان هو المحتفى به ولكن الرجل هنا انتفض نهض ونقض هذه الادعاءات وقال انا اعرف اللغز وراء‌ هذا التشكيك بكتاب نهج البلاغة قال والله لواجتمعتم كلكم مع عمالقة البيان ما اوجدتم خطبة واحدة تماثل هذه الخطب ولكن عقدتكم مما ترونه بأنه تعريض لبعض من تسمونهم بالصحابة او لبعض من تسمونهم ولهم موقعاً وقطعاً ورد الحديث عنهم وعن بعض ادوارهم في تاريخ الاسلام وكثير من مراحل الدعوة الاسلامية ‌وكم افواهم ولم ينبس احدهم بكلمة واحدة، في هذا الاطار من ابرز من خدم في هذا المجال في الدفاع عن كتاب نهج البلاغة الذي الفه الشريف الرضي وخدم خدمة خالدة هو الخطيب المرحوم السيد عبدالزهراء الحسيني الف كتاباً في ثلاث مجلدات اسماه مصادر نهج البلاغة ‌وتطرق فيه الى بعض هذه الخطب ومصادرها واشار الى ان بعض رواة هذه الخطب ماتوا قبل ولادة الشريف الرضي بعشرات بل مئات السنين وان بعض رواة‌ هذه الخطب هم من اعداء الامام امير المؤمنين واخيراً كلف السيد القائد السيد الخامنئي دام ظله كلف لجنة خاصة وتوسعت وصارت تعرف ببنياد نهج البلاغة وارسلوا فريقاً للبحث والتنقيب عن المصادر الجديدة وربما هناك مصادر مخطوطة لم تر النور ابداً في صوامعها مخبئة، راح هذا الفريق ووصل الى كندا وامريكا لان هناك توجد تحف جداً قيمة ومهمة هربت وسرقت ونهبت ونقلت الى هناك فصوروا بعض الخطب التي ايضاً‌ هي اما متممة لخطب نهج البلاغة‌ التي دونها الشريف الرضي او خطب جديدة وطبعت في لبنان في نهج البلاغة وبشكل جديد وللشريف الرضي اعلى الله مقامه بالاضافة الى هذه المؤلفات التفسير المذكور له ديوان من الشعر في الحكمة‌ والمواعظ والمراثي وبخصوص فضائل اهل البيت ومن اشهر قصائده في الرثاء، اشتهرت قصيدته هذه الموفقة في رثاء الامام الحسين(ع) وتقرأ كل عام وبخصوص يوم عاشوراء‌ عدة مرات وقد ذكر بعض العلماء انه ربما شاهد الامام صاحب العصر(ع) يطوف حول ضريح الحسين يوم عاشوراء باكياً وهو يردد ابياتاً من هذه القصيدة ومطلعها:

واصريعاً عالج الموت بلا شدّ لحيين ولا مدّ ردا

قتلوه بعد علم منهم انه خامس اصحاب الكسا

يا رسول الله يا فاطمة يا امير المؤمنين المرتضى

عظم الله لك الاجر بمن كظ احشاه الظما حتى قضى

وقد ذكره ابن خلكان وقال الشريف الرضي جزيل القول مقدماً على اهل وقته كما ذكره الخطيب البغدادي واثنى عليه في كتابه تاريخ بغداد وقرأت له قطعة شعرية جميلة يقول فيها:

عتبت على الدنيا فقلت الى متى

اكابد حزناً همه ليس ينجلي

اكل شريف من عليِّ جدوده

حرام عليه العيش غير محلل

فقالت نعم يابن الحسين ان رميتكم

بسهم عناد حين طلقني علي

وهو يشير بهذا الى قول الامام امير المؤمنين(ع) اليك عني يا دنيا فقد طلقتك ثلاثاً ‌لارجعة فيك فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك حقير، آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشت الطريق توفي الشريف الرضي اعلى الله مقامه في ريعان عمره وله من العمر سبعة واربعين سنة‌ وكانت وفاته عام 406 هـ ودفن بجوار الامام الكاظم(ع) ولما مات قامت عليه نوادب الادباء وبكاه الافاضل وحضر جنازته الاشراف والاعيان كما حضر تشييعه فخر الملك، هذا ولم يستطع اخوه الشريف المرتضى حضور مراسم دفنه لشدة ‌تأثره وقد رثاه بقصيدة حزينة جاء فيها:

يا للرجال لفجعة‌ جذمة يدي

وودت لو ذهبت علي براسي

لله عمرك من قصير طاهر

ولرب عمر طال بالادناس

كما رثاه الشاعر مهيار الديلمي بقصيدة طويلة‌ منها:

ابكيك للدنيا التي طلقتها

وقد اصطفتك شبابها وغرامها

ورميت غاربها بفضلة معرض

زهداً وقد القت اليك زمامها

تغمده الله بواسع رحمته وطيب الله ثراه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******