الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن وجوه الصادقين اللامعة في نشر فكر اهل البيت وترسيخ آثارهم ومآثرهم المرحوم المجاهد محمد بن احمد العلقمي والمعروف بالوزير العلقمي والذي اشتهر انه انهارت على يده وجهوده الدولة العباسية الجائرة وهنا يناسب ان اذكر هذه المقولة «رب مشهور لا اصل له» ويأتي الكلام عن هذا، محمد العلقمي هو من مواليد عام 591هـ وهو من العلماء الافذاذ ومن كبار وجوه العلماء في الحلة الفيحاء وكان عالماً فاضلاً واديباً لسناً وخطيباً ماهراً دمث الاخلاق كريم الطباع خير النفس كارهاً للظلم والاستبداد، ابن العلقمي تعلم العلم والفقه وقرأ ذلك على يد كبار علماء الحلة وتخرج عالماً شهيراً وصار له شذن عظيم ورئاسة عامة انتهت به ان يخلف الوزير احمد بن الناقد وهو رشحه من بعده اثناء مرضه الى ان يخلفه في الوزارة ولما توفي الوزير ابن الناقد تسلم الوزارة ابن العلقمي لمدة ثلاثة عشر عاماً حتى سقطت الدولة العباسية والتي كان آخر خلفائها المستعصم بالله وفي الحقيقة ان السر في سقوط العباسيين الاساسي هو تأمر احد الموظفين الرئيسيين وهو قائد الجيش مجاهد الدين آبيك الدويدار وهذا كان خصم لدود لابن العلقمي وحينما مررت بتاريخه وترجمته رأيت ان ابن العلقمي يتعرض لهجمات قاسية واكبر هذه التهم انه عمل على اسقاط العباسيين وتسليم الامر للمغول وهذه فرية كبرى وكذبة مختلقة ولعل سبب ذلك هو تشدده في الولاء لاهل البيت لاننا قرأنا مراراً وسمعنا وشاهدنا ان من يتفانى في خدمة اهل البيت ويتشدد ويكون نشيط في هذا هو ان يدفع تضحية وفي مقدمة هذه التضحيات تحاك له التهم وتفتعل له ازمات ومشاكل عديدة وهذا شيء اصبح سيرة فأذن مسألة ما يثار من التهم لابن العلقمي مسألة فيها الكثير من التأمل ولدى تمشيط التاريخ بشكل هادئ يتضح لنا ان السبب الرئيسي لسقوط العباسيين هو ظلمهم وثانياً تآمر القائد مجاهد الدين آبيك الدويدار ولو كان هناك صلة بين المغول وابن العلقمي ما قتل المغول علماء الشيعة على الاقل مجاملة له ورداً لجميله فقد دلت الحوادث ان اول ما قام به المغول في بغداد هو قتل الكثير من علماء الشيعة منهم كبير علماء الشيعة آنذاك السيد شرف الدين الصدر وقتلهم كذلك نقيب العلويين في بغداد كما قتلوا سادن الروضة الكاظمية، احرقوا الحرم ونهبوا محتوياته ولولا الصلة التي اقامها الخواجة نصر الدين الطوسي رحمه الله مع القائد المغولي هولاكو لما سلم من علماء الشيعة احد ولما بقي من مؤسساتهم اي شيء، اذن حقائق التاريخ غير هذا لذلك ان وقائع التاريخ تنفي وجود اي علاقة بين ابن العلقمي رحمة الله والمغول وهولاكو بالذات وانه برئ من هذه التهم التي هي من ملفقات الحاقدين على الشيعة الامامية وعلى السنة على السواء لان المغول قتلوا من علماء الفريقين وساهم ابن العلقمي رحمة الله مساهمة فاعلة في تقوية وتنشيط الحركة العلمية في الحلة الفيحاء حتى بلغت الحوزة العلمية في الحلة من الرقي والتقدم في القرن السابع الهجري الى مستوى رفيع خرجت العديد من فطاحل المجتهدين المتقدمين ويشهد على ذلك وجود العديد من مراقد كبار العلماء في الحلة كأبن نما والمحقق الحلي صاحب السرائر والسيد بن طاووس وغيرهم وكما كانت منطقة السيفية بالحلة تعرف قديماً بحي العلماء وكان يسكنها العديد من كبار العلماء والمجتهدين وهناك كانت مدرسة دينية كبرى بنيت في الحلة بناها المرحوم ابن نما تعرف بمدرسة صاحب الزمان(عج) ويكتب عن هذه المدرسة السيد الامين في كتابه اعيان الشيعة يقول حينما زرنا مدينة الحلة وتعرفنا على آثارها ووجدنا فيما وجدنا كتاب مناسك الحج لفخر المحققين فرغ منها كاتبها بمدرسة صاحب الزمان سنة 775هـ ويعلق السيد الامين بقوله ومن المعلوم ان بناء المدارس والبيوتات للعلماء لا يكون الا للوافدين للحلة لطلب العلم لان ابن البلد ذو مأوى في بلده ومسقط رأسه، عموماً اقول من يريد التعرف على موقع الحلة العلمي ودورها الحوزوي فليراجع كتاب الانوار الساطعة في المئة السابعة للمحقق العلم الشيخ آغا بزرك الطهراني حيث يعرف رحمه الله على مواقع الحلة والحشد الكبير من العلماء الذين عاشوا فيها كذلك لابأس في مواجعة كتاب البابليات اربعة اجزاء للخطيب المحقق الشيخ محمد علي اليعقوبي فهو محشو بترجمة علماء الحلة وشعراءها وكتابها بصورة مفصلة، وعودة الى حديثنا عن ابن العلقمي بالاضافة الى ما ذكرت من صفاته بانه كان عالماً خطيباً كان كاتباً كان ايضاً شاعراً ملهماً واذكر هنا له ابيات يعتب فيها على الدنيا والاحوال والايام يقول:
كيف يرجى الصلاح من امر قوم
ضيعوا الخرم فيه اي ضياع
فمطاع الكلام غير سديد
وسديد المقال غير مطاع
يعني يشير الى انعدام المقاييس من قبيل كلام ابي العلاء المعري.
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً
تجاهلت حتى قيل اني نائل
فياعجبا كم يدعي الجهل عالم
وياعجا بكم يدعي العلم جاهل
فأبن العلقمي على غرار هذا يشير بهذه الابيات، كما ان ابن العلقمي له مكتبة مشهورة ومعروفة اشتملت على عشرة آلاف مجلد من خزائن ونفائس المخطوطات ومن جميل شعره في اهل البيت(ع) يقول:
ووديعة من سر آل محمد
او دعتها ان كنت من امنائها
فأذا رأيت الكوكبين تقارنا
في الجدي عند صباحها ومساءها
فهناك تؤخذ ثار آل محمد
وطلابها بالبيض من اعداءها
توفي الوزير ابن العلقمي رحمه الله بعد واقعة التتر عام 656 ولم يذكر المؤرخون موقع دفنه أسأل الله له المزيد من الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******