البث المباشر

أبغض الأعمال إلى الله!

الأربعاء 11 يناير 2023 - 17:58 بتوقيت طهران
أبغض الأعمال إلى الله!

جاءت الرواية عن الإمام جعفر الصَّادق (ع)، كما يرويها صاحب (الكافي): قال: "إنَّ رجلاً من خثعم جاء إلى النَّبيِّ (ص)، فقال: أيّ الأعمال أبغض إلى الله عزَّ وجلَّ؟ فقال: الشِّرك بالله..."1.

فالشِّرك بالله يقف في القمَّة مما يبغضه الله سبحانه وتعالى من العمل الذّهني والاعتقادي للإنسان الدّاخلي، لأنَّه يجعل الإنسان يتمرّد على التَّوحيد الذي هو أساس الدين كلّه، في امتداد الرسالات الإلهيَّة، ما يعني أنَّ الالتزام به يمثِّل النهج الذي يدمّر الإنسان في تصوّراته الفكريَّة العقيدية والتزاماته العمليّة، لأنَّ الشرك ليس مجرّد عقيدة تعيش في داخل الإنسان، ولكنَّه منهج يمتدّ إلى علاقته بكلِّ هؤلاء الذين يعتبرهم شركاء لله، سواء كانوا من الأوثان الحجريَّة، أو من الأوثان البشريَّة، في كلّ الأجواء وفي كلّ النتائج السلبيَّة التي تتحرك بذلك وتضيِّق له أفقه، وتغلق عنه عقله، فضلاً عن التخلّف الروحي الذي يربط الإنسان بالأوثان الحجرية أو الأوثان البشرية التي لا تملك أيّ سرّ من أسرار الألوهيَّة المطلقة والربوبية المقدَّسة.

أضف إلى ذلك، أنَّ الشرك بالله لا يؤدي إلى الإضرار بالله، لأنَّ الله هو الغنيّ المطلق عن عباده في كلّ تصوّراتهم وأعمالهم، إذ "لا تضرُّهُ معصيةُ مَنْ عصاه، ولا تنفعُهُ طاعةُ مَنْ أطاعَه"2، بل يؤدّي إلى الإضرار بالإنسان، لتأثيره في حياته النفسية الداخلية، لأن الجانب الفكري والجانب العقيدي للإنسان، يتأثّران بهذا السلوك وهذه الذهنيَّة، ذلك أن الشرك يقوده إلى منهج يشتمل على كثير من الأوضاع السيّئة، على خلاف ما إذا كان الجانب الداخلي للإنسان إيجابياً، فإنه يقوده إلى منهج يؤدي إلى كثير من النتائج الحسنة في هذا المجال.

ولذلك، أطلق الله سبحانه في القرآن الكريم الموقف بقوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}[النّساء: 48]، فإنّ الله قد يغفر لأيِّ شخص في كلّ ما يعصيه وكلّ ما ينحرف به، ويبقى هناك انحرافٌ واحد، وهو انحراف الشِّرك، فهذا هو الذي لا يغفره الله، وإن كان يمكن أن يغفر من خلال رحمته ومن خلال حكمته لأيّ شخص، بحسب ما يراه الله سبحانه وتعالى من ذلك.

 

* من كتاب "النَّدوة"، ج 18.

 السيد محمد حسين فضل الله

--------------------------

[1]الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص290.

[2]نهج البلاغة، من خطبة له (ع) يصف فيها المتّقين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة