إن حفظ القرآن الكريم في حياة نبي الإسلام (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) لم يكن عبادة فحسب، بل كان أيضا الأداة الاستراتيجية الأهم لحفظ الوحي الإلهي.
وتظهر نظرة تاريخية إلى صدر الإسلام أن من أهم الوسائل لمنع أي تحريف أو تلاعب بنصوص الوحي هو حفظ القرآن الكريم في ذاكرة المؤمنين.
إن في العصر الذي لم تكن فيه كتابة القرآن الكريم كاملةً، وكانت الآيات الإلهية تنزل تدريجيًا، كان النبي (ص) رائدًا في الحفظ والتلاوة، وكان أحيانًا يُعيد الآية قبل انتهائها لئلا يُنسى.
وهذا الاهتمام نفسه ينعكس في آيات القرآن الكريم كما جاء في هذه الآية الشريفة:
«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ» و«سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى»"، فإن الله عز وجل، مع نهيه النبي (ص) عن التعجيل في تلاوة الوحي، يعد بأنه سيكون مسؤولًا عن حفظ القرآن وجمعه. وتتجلى هذه الحقيقة جليةً في الآية الشريفة:
"«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»"، مما يُظهر الصلة الوثيقة بين الإرادة الإلهية والجهود البشرية لحفظ القرآن الكريم.
لم يكن أهل البيت (عليهم السلام) حافظين للقرآن الكريم فحسب، بل شجعوا الأمة الإسلامية على حفظه. و"منذ الأيام الأولى، كان يدوّن الآيات، ويتلونها، ويحفظونها، ويشرحونها للناس كما نزلت. وهذا النهج جعل ثقافة حفظ القرآن الكريم جزءًا لا يتجزأ من الهوية الدينية للمسلمين".
وهناك الروايات تؤكد مكانة حفظة القرآن الكريم، كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
"الحافِظُ للقرآنِ العامِلُ بهِ مَع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ ".
وقد روي عن النبي (ص):
"«مَن أَعطاهُ اللهُ حفظ كتابه وظن أن أحداً أُعطِي أفضلَ مما أُعطِي فقد غَمَطَ أفضل النعمة»".
ليس حفظ القرآن الكريم عند الأئمة المعصومين (ع) مجرد نشاط فردي، بل له أيضًا وظيفة اجتماعية وتربوية، كما أنه "لقد شجع النبي (ص) حفظ القرآن الكريم بين أصحابه بالتلقين والإعادة، وعلّم أمير المؤمنين الإمام علي (ع) دعاء لتقوية ذاكرته في حفظ القرآن الكريم".
كما شدد الأئمة المعصومين عليهم السلام على أن حفظ الآيات ينبغي أن يقترن بالتدبر في معانيها والعمل بها، حتى لا يقتصر على مجرد حفظ غير فعال.
أولي في سيرة أهل البيت (ع)، اهتمام خاص بتربية حُفَّاظ القرآن الكريم منذ الصغر. وقد أوصى الأئمة المعصومون (عليهم السلام) بتعريف الأطفال بالقرآن الكريم منذ الصغر وحفظ الآيات بقصدٍ إلهيٍ ورجاءٍ في الآخرة. كما تم التأكيد على دور المجتمع في دعم الحُفَّاظ، واعتُبر احترامهم ومكانتهم الاجتماعية دليلاً على حماية مكانة القرآن الكريم.
وفي إشارةٍ إلى الدور التاريخي لحُفَّاظ القرآن الكريم في ترسيخ نص الوحي فكان من بين حُفَّاظ القرآن الكريم كثيرٌ من أصحاب أهل البيت (عليهم السلام) الذين استشهدوا في الحروب والأحداث لصدر الإسلام. وقد مهد هذا الانتشار الواسع للحُفَّاظ بين الناس، الطريقَ لترسيخ النص الإلهي وتوسيع نطاقه، وترسيخ القرآن الكريم في الذاكرة الجماعية للمسلمين.
إذن ليس حفظ القرآن الكريم في حياة المعصومين (عليهم السلام) مقتصرًا على فترة نزول الوحي، بل هو واجب دائم على الأمة الإسلامية.
لذلك يجب أن يبقى القرآن الكريم حيًا لا في اللسان والذاكرة فحسب، بل في قلوب المسلمين وأعمالهم أيضًا، حتى تستمر الهداية الإلهية في حياتهم الفردية والاجتماعية".