يخلط الكثيرون أحيانًا بين مفهومي "الاستعداد للظهور" و"تمهيد الطريق للظهور" ظانين بأن كليهما يعنيان الشيء نفسه، ولكل منهما مكانة ومعنى خاصين.
إن "تمهيد الطريق للظهور" يعني تهيئة المستلزمات الاجتماعية، الثقافية والعقائدية لتحقيق الحكم العالمي للإمام المهدي (عج)، أما "الاستعداد للظهور" فيشير أكثر إلى الحالة الداخلية والباطنية للفرد لقبوله ومساعدته (عج). وفي الروايات، على الرغم من التوصية ببذل الجهود لإصلاح المجتمع، إلا أن التركيز الأساسي ينصب على استعداد الروح ونقاء القلب، لأن الظهور قد يحدث في أي لحظة وحتى فجأة.
إن الاستعداد للظهور، قبل أن يكون حركة خارجية، هو أمر داخلي وروحي. ويتطلب هذا الاستعداد قلبًا هادئًا وإيمانًا راسخًا وأخلاقًا جيدة؛ حتى إذا جاء الأمر الإلهي فجأة، فلن نفاجأ ولا نشك، ولن نحرم من عون الله بسبب الاعتماد على الدنيا.
كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
«مَنْ سَرَّهُ اَن يَكونَ مِنْ أصْحابِ القائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ وَليَعْمَلْ بِالْوَرَعِ ومَحاسِنِ الاَخلاقِ وهُوَ مُنتَظِرٌ».
وهذا يدل على أن جوهر الاستعداد هو تطهير الروح والعمل الصالح.
لذلك، يتم تقديم الاستعداد للظهور في شكل التعبير عن الحلول الأخلاقية والإيمانية والعملية لتحسين الذات الفردية وإصلاح المجتمع. حلولٌ تبدأ بتزكية النفس، تقوية الإيمان، التمسك بالقيم الدينية، وخدمة الآخرين بإخلاص، وتستمر بتنمية ثقافة الانتظار، الدعوة إلى الحق، محاربة الفساد، وترسيخ التكافل الاجتماعي.
وهذا الاستعداد لا يُهيئ الفرد للحضور في صفوف أصحاب الإمام الحجة (عج) لحظة الظهور فحسب، بل يُهيئ أيضًا أجواء منسجمةً مع العدل والروحانية الموعودة من خلال التأثير على البيئة المحيطة.
إلى جانب الاستعداد الروحي والأخلاقي، يُعدّ الاستعداد لأي حدث "بغتة" أو مفاجئًا مظهرا مهمًا آخر. وقد استخدم القرآن الكريم كلمة "بغتة" في وصف القيامة للإشارة إلى أن الوعود الإلهية العظيمة ستأتي دون سابق إنذار وفي اللحظة التي لا يتوقعها الناس. لذا، ينبغي للمؤمن الحق أن يتخيل نفسه دائمًا في موقف، حين يسمع نداء "يا أهل العالم، لقد ظهر الإمام المهدي (عج)"، أن ينضم إلى صفوف أصحابه دون تردد.
والفرق الجوهري هنا هو أن "تمهيد الطريق للظهور" دون "الاستعداد" سيكون عقيمًا وغير مُجد؛ لأنه حتى لو كانت جميع الظروف الاجتماعية مُهيأة، ولكن القلوب خائرة والإرادات ضعيفة، فلن تكون نصرة الإمام المهدي (عج) مُمكنة.
لذا، فإن أفضل وأوثق سبيل هو أن نفكر في أنفسنا كل يوم:
"إذا حدث الظهور اليوم، فهل أنا مُستعدٌّ لأن أكون في ركب الحق إيمانًا وأخلاقًا وعلمًا واستعدادًا عمليًا؟".
وهذه النظرة ستُنقذنا من الغفلة وتُمكّننا من الحضور الحقيقي في "عصر الانتظار".
بحسب الروايات، فإن مبدأ "تمهيد الطريق للظهور" ليس أمرًا عامًا وواسع الانتشار عبر القرون، بل هو عملٌ خاصٌّ يقتصر على المراحل الأخيرة قبل ظهور الإمام الحجة (عج)؛ وهي مهمةٌ أُسندت صراحةً في الأحاديث إلى أصحاب الإمام الخاصين، ولا تتحقق إلا في "الأشهر الستة الأخيرة" قبل الظهور. وهذه المقدمة مرهونةٌ تمامًا بالعناية الإلهية، وبدون مشيئة الله، حتى لو بُذلت جميع الجهود البشرية، لن يتحقق الظهور.
ومن أبرز علامات هذا التمهيد للظهور هي خروج جيش الخراساني، الذي تحرك لمواجهة السفياني واتجه نحو الكوفة. وتشير الروايات إلى أن الإمام المهدي (عج) موجودٌ في هذا الجيش بشكل مجهول، ولم يُدرك وجوده الشريف إلا بعض أصحابه. ويُظهر هذا الحضور الخفي أن تمهيد الطريق للظهور بشكل حقيقي يُنفَّذ بتوجيه مباشر من الإمام المهدي (عج)، ولكن تحت ستار من الغموض والإبهام.
ومن أبرز شخصيات هذه الفترة يمكن الإشارة إلى "شعيب بن صالح"، وهو رجل شيعي اختير من بين حملة لواء الإمام المهدي (عج) في عصر نهضته. وحسب الأحاديث، فإنه يلعب دورًا هامًا في هزيمة قوات السفيانيين وتمهيد الطريق للنصر النهائي لحكومة العدالة المهدوية. وهذا الموقف يجعل "شعيب بن صالح" أحد الأمثلة الواضحة على "الممهدون لطريق الظهور" (الغيبة الطوسي، ص 433).
لذا، فإن ما يسمى بـ "تمهيد الطريق للظهور" ليس مسؤولية جماعية للمسلمين على مر العصور، بل هو مهمة خاصة للصحابة المختارين، وتأكيد على النصر الإلهي عشية الظهور. وواجبنا العام قبل ذلك هو "الاستعداد التام" للانضمام إلى هذه الحركة الإلهية. وهذا الاستعداد إذا تحقق فإنه يجعل كل واحد منا من رفاق وأعوان الإمام المهدي (عج) عند تحقق مشيئة الله على الأرض.