الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين في مضمونه هو الشاعر الشهير بأبي نواس واسمه الحسن ابن هاني وكان يكنى بأبي علي لكن اشتهر بهذه الشهرة، لما اتحدث من خلال هذه الدقائق المحدودة عن هذا الشاعر المح ايضاً ان هناك جدل يدور حول شخصية ابي نواس ومعتقداته لكن ابن شهر آشوب رحمة الله في كتابه المعالم يؤكد على انه من شعراء اهل البيت وان كان احياناً ربما مثل ادواراً ظهر فيها وكأنه بعيد عن اهل البيت ربما كان يقتصد لكن لما انظر الى صاحب لسان العرب يكتب بشكل صريح «ان ابا نواس كان يميل سراً لآل البيت» المرزباني يقول «ان ابا نواس كان امامياً حسن العقيدة»، اذن هذا رأي ابن شهر آشوب وهذا رأي صاحب لسان العرب وهذا رأي المرزباني وكذلك السيد الامين في كتابه اعيان الشيعة يكتب عنه مفصلاً ثم نأتي الى الوحدات الوجدانية الحسية، مثلاً ابو نواس لما عوتب عن تخلفه او عدم انظمامه الى من مدح الامام الرضا(ع) وهنئه على ولاية العهد فنظم هذه المقطوعة وهذا دليل واضح وناطق وصارخ كان يحمل في قلبه تصور نحو اهل البيت:
قيل لي انت اشعر الناس طراً
في علوم الورى وشعر البديهي
لك من جوهر الكلام نظام
يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح بن موسى
والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا استطيع مدح امام
كان جبرئيل خادماً لابيه
هذا قوله في الامام الرضا، وله اقوال نمر عليها خلال هذه الدقائق القصيرة، كان ابو نواس يقول ويردد: «والله ما تركت مدح الامام الا اعظاماً وليس قدر مثلي ان يقول في مثله».
ابو نواس من مواليد البصرة وقيل الاهواز عام 145 هـ ولم يعمر الا خمسين عاماً وقلت كان ابو نواس مثار جدل ودار عنه الكثير من الكلام وتنسب له العديد من القصائد والمقاطعات في المناسبات كلها ولا اعرف ان كانت هذه من نسيج الكتاب او من القصص التي الفت اولها حقيقة لكن نحن نتعامل مع حسن الظن ونتعامل مع هذه المفردات التي قالها بصريح المصادر، قالها في الامام الرضا واهل البيت، الآن يمر علينا مثلاً هو له من كلماته انه يوم من الايام يعبر الجسر سأله احدهم عن نسبه فقال اغناني ادبي عن النسب، مما نكتشف فيه دفائنه في التوجه بآل الرسول، انه يوم من الايام دخل على الامام الرضا(ع) وقال نظمت فيكم ابياتاً واخذ يخاطب الامام واجداده:
مطهرون نقيات ثيابهم تجري
الصلاة عليهم اينما ذكروا
من لم يكن علوياً حين تنسبهم
فما له من عظيم الدهر مفتخر
والله لما برا خلقاً واتقنه
صفاكم واصطفاكم ايها البشر
فأنتم الملأ الاعلى وعندكم علم
الكتاب وما جاءت به السور
الامام الرضا(ع) كان يستمع اليه وتتلذذ شعره وقال الامام يا ابا نواس جئتنا بأبيات ما سبقك احد اليها ثم صاح الامام الرضا يا غلام كم بقي عندنا من المال، قال الغلام سيدي ثلاثمئة دينار قال اعطه اياه فقدمها له ثم صاح الامام الرضا(ع) بالغلام اني اظنها قليلة سق اليه البغلة، فساق اليه الفرس وقدمها له، هذا الموقف من الامام الرضا لو كان هناك شئ مشكوك فيه بالنسبة الى سلوكيات ابو نواس الامام ما كان يغدق عليه بهذا العطاء واعظم من العطاء تعبيره، جئتنا بابيات ما سبق اليها احد ثم اكرامه، وفي لفتة اخرى يشتهر ابو نواس بقوة النكتة وشدة الحافظة فقرأت في كتاب ابن خلكان عن اسماعيل بن نوبخت نسبت اليه ما رأيت قط اوسع علماً من الشاعر ابي نواس ومن نوادر الادبية الجميلة مقطوعته هذه في الحكمة:
لدوا للموت وابنوا للخراب
فكلكم يصير الى تراب
لمن نبني ونحن الى تراب
نعود كما خلقنا من تراب
الا يا موت لم ارمنك بداً
هجمت فلا تكف ولاتحاب
كأنك قد هجمت على حياتي
كما هجم المشيب على الشباب
سأسأل عن ذنوبي والخطايا
فلما عذري هناك وما جوابي
فأما ان احال الى نعيم
واما ان اصير الى عذاب
ايضاً من جميل ما قرئت له ابياتاً في الغزل يتخلص فيها الى هذا البيت والذي يكشف فيه عن صلته وتعلقه بآل الرسول في المضمون لا في الظاهر، يقول في آخر ابياته:
فالنار في شغل بمن
حجب الوصي عن الامامة
هذا البيت تأثرت بمضمونه ومرة يشاهد ابو نواس الامام الرضا(ع) من بعيد فلم يشخصه فلما قرب منه رأى الامام الرضا(ع) انشأ يقول:
اذا ابصرتك العين من بعد غاية
وعارض فيك الشك اثبتك القلب
ولو ان قوماً امموك لقادهم
نسيمك حتى يستدل بك الركب
جعلتك حسبي في اموري كلها
وما خاب من اضحى وانت له حسب
وذكر ابن شهر آشوب ان ابا نواس قال ابياتاً في الامام الباقر(ع) واورد ذلك في سيرة الامام الباقر يعني لما يذكر ابن شهر آشوب حياة الامام الباقر تمر الملاحظة والابيات هي:
هو الذي قدر الله العلي له
ان لا يكون له في فضله ثاني
وهو الذي امتحن الله القلوب به
عما يجمجمن من كفر وايمان
وان قوماً رجوا ابطال حقكم
امسوا من الله في سخط وعصيان
بعد كل هذا لا يبقي كل مجال للتشكيك في تشيعه وميله الشديد لآل الرسول(ص) ورغم ما كتب عنه الكثير من الكتاب وفيه جدل ونقاش وآخر ما اذكر عنه ابياته التي يروى انها سبب نجاته التي وجدت تحت وسادته:
يارب ان عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت ان عفوك اعظم
ما لي وسيلة اليك الا الرجا
فاذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ثم يقول:
متمسكاً بالنبي وآله
ان الموفق من بهم يستعصم
ثم الشفاعة من نبيك احمد
ثم الحماية من علي اعلم
ثم الحسين وبعده اولاده
ساداتنا حتى الامام المكتم
سادات حر ملجأ مستعصم
بهم الوذ فذاك حصن محكم
هينئاً له على هذه العاقبة وعلى هذه العقيدة، توفي عام 202 هـ بعد ان عاش اكثر من خمسين سنة ودفن ببغداد قرب نهر دجلة وقبره مشهور نسأل الله ان يرحمه ويرحمنا جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******