الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من منارات الصادقين في وفائهم وحبهم لآل الرسول(ص) هو البطل المجاهد رشيد الهجري رحمه الله وهجر اسم يطلق على ثلاثة مواقع، يطلق على بلدة بأقصى اليمن ويطلق على البحرين، اسم من اسماء البحرين قديماً هجر، ويطلق هذا الاسم على قرية قرب المدينة كما يطلق على مواقع التمر ومنه المثل كناقل التمر الى هجر، رشيد الهجري رحمه الله واعتقد انه قليل منا لم يسمع بهذا الاسم وانما هذا الاسم يتردد كثيراً على السنة الخطباء واقلام الكتاب وعلى خواطر الادباء، رشيد الهجري احد التابعين ومدفون في الكوفة في المقبرة التي غيبت بين الكوفة حالياً ومسجد السهلة كان هذا الرجل حافظاً لاسرار اهل البيت كما وصفه الكفعمي رحمه الله بأنه كان بواباً لامير المؤمنين(ع) وان الامام اباح له ببعض علومه الخاصة وعلمه اسرار المنايا والبلايا وروى الكشي رحمه الله عن قنواء ابنة رشيد الهجري وظاهراً انها الابنة الوحيدة او النسلة الوحيدة لرشيد الهجري، تروي قالت سمعت ابي يقول اخبرني مولاي امير المؤمنين(ع) قال يا رشيد كيف صبرك، متى ارسل اليك دعي ابن امية فقطع رجليك ويديك ولسانك ودعاك الى البراءة مني فقلت يا امير المؤمنين اني اصبر لان آخر ذلك الى الجنة فقال يا رشيد انت معي في الدنيا والآخرة وطبعاً يقول اصبر لان الجزع يحرق اجر المصيبة بينما الصبر يضاعف اجر المصيبة، الحديث الشريف: «المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان» فيخاطب الامام يقول اصبر، والله عزوجل يقول: «انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب» قنواء تنقل عن ابيها، قال لها يا بنية وما مرت الايام حتى تطبق وتحقق كل ما قاله لي مولاي فاجئني ابن زياد بأعتقالي ليلاً واحضرت صباحاً في مجلسه فقال يا رشيد اني ادعوك الى البراءة من علي بن ابي طالب فأبيت ورفضت ذلك كرفضاً قاطعاً، فغضب عبيدالله بن زياد وقال اذن اختر اي موتة تحب ان تموت وكيف اخبرك عنها صاحبك علي، يبدو ان هؤلاء يعرفون مدى علوم اهل البيت لان هذا الكلام تكرر عدة مرات بين الحجاج واصحاب امير المؤمنين، بين ابن زياد واصحاب امير المؤمنين، بين معاوية واصحاب الامام وكله كان يتطبق وهذا من دلائل عظمة امير المؤمنين وارتباطه الصميمي وفي العمق برسول الله(ص)، فقالت اخبرني انه قال لابن زياد اخبرني مولاي انك تدعوني الى البراءة فلا ابرأ فتعذبني وتقطع يدي ورجلي ولساني فقال ابن زياد لأكذبنك واكذب صاحبك، في رواية اخرى ان الامام امير المؤمنين عرفه النخلة التي يصلب عليها وعلمه مكانها فكان يتردد عليها ويسقيها لانه كان يعرف ويفهم ان كلام الامام لم يصدر عن فراغ فنطق الامام هو نطق النبي والنبي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، ولكن مقصود ابن زياد لاكذبنه يظهر في نهاية المطاف، في الروايات انقل هذه الرواية ان مالك بن ضمرة وهو ايضاً من تلاميذ الامام امير المؤمنين وسأتكلم عنه في حلقة قادمة ان شاء الله، هذا مالك بن ضمرة من استفاد من علوم الامام كان هذا الرجل يردد ايام بني امية مقولة او دعاء كان يقول: اللهم لا تجعلني اشقى الثلاثة فيقال له وما اشقى الثلاثة فيقول رجل يرمى من فوق طمار الى الارض ورجل يصلب وتقطع يداه ورجلاه ولسانه ورجل يموت على فراشه كان هو يخشى من هذا والموت على الفراش ليس بعار ولكن من باب هذا المعنى الذي اشار اليه ابو عبد الله الحسين(ع): «فأن كانت الاجسام للموت انشأت فقتل امرء بالسيف في الله افضل» امير المؤمنين يقول: «الف ضربة بالسيف اهون علي من موتة على فراش» بمعنى ترشيد النفس وترويضها على الشجاعة وقوة الدفاع ومواجهة العدو وهذا لا يعني كما يتخرص البعض ان الاسلام او قادة الاسلام ذو طبيعة عدوانية، الاسلام دين المحبة والسلام واهل البيت هم مصانع الحب والمودة والعفو والشفقة ولكن حينما يتوقف الامر على اذلال الاسلام واذلال المسلمين وتدميرهم من قبل العدو ونموذج هذا ما يجري الآن في فلسطين وكشمير وكوسوفو والبلقان والشيشان، منذ خمسين عاماً واكثر من تهجير وقتل وابادة عرقية فما هو التكليف، النبي(ص) يقول: «رد الحجر من حيث جاء فأن الشر لا يدفع الا بالشر» الله عزوجل يقول: «وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين» فمالك بن صخرة اخذ هذا الكلام من امير المؤمنين حول حديثه انه هناك ثلاثة، الظاهر يرتبط بكلام واستفهام من امير المؤمنين، واحد يرمى من طمار، واحد تقطع رجلاه ويداه ولسانه وواحد يموت على فراشه، كان مالك بن صخرة يخشى ان لا يرزق الشهادة فكان دائماً يقول اللهم لا تجعلني اشقى الثلاثة وفعلاً تحقق ما اخذه من امير المؤمنين.
الذي رمي من طمار هو هاني بن عروة والذي قطعت يداه ورجلاه ولسانه هو رشيد الهجري(رض)، ابن زياد سفهاً زعم ما قاله الامام امير المؤمنين والذي حدث انه امر بصلبه فصلب على نفس النخلة التي كان الامام عينها ولكن امر ابن زياد ان لا يقطع لسانه فقطعوا يديه ورجليه واستثنى لسانه ليكذب بزعمه قول امير المؤمنين لكن الذي حدث، تجمهر الناس على ذلك المنظر المؤلم وفي الواقع المنظر كان يعكس سياسة بني امية القمعية واذا بهذا الرجل القطيع اليدين والرجلين وعلى جذع النخلة حلق في جهاد آخر منقطع النظير فكان ينادي ودمائه تشخب من يديه ورجليه ينادي ايها الناس خذوا بأقلامكم واكتبوا ما اقول واحفظوا ما اقول ويتحدث اليهم ما سمعه من امير المؤمنين وعن رسول الله ثم نقل المداولة الكلامية بينه وبين ابن زياد وابن زياد يسأله اي موتة وكيف اخبرك صاحبك والناس تصغي لان المنظر كان يدعو الى ان الناس تنشد اليه ونقل اليهم انه استثنى لسانه ليكذب ما سبق ان سمعه من امير المؤمنين، استمر هذا الوضع يوماً او يومين او اكثر واستطاع بهذا ان يشكل قناة اعلامية عن اهل البيت وتراث اهل البيت واخذ ينشر فضائل امير المؤمنين وفضائح بني امية وجرائمهم، صار هذا المصلوب منبر وصار مصدر معرفة وقاموس علمي لقضية الاسلام وقضية اهل البيت فاضطر ابن زياد وامر جلاداً وقال اذهب واقطع لسانه والجموع كانت تزداد فقطع لسانه امام الجمع واذا اجمع الناس كلهم على هذا الاعجاب بتطبق كلما اشار اليه امير المؤمنين وبعد ان قطع لسانه انفجرت الدماء من فمه ولفظ انفاسه الاخيرة واستشهد رحمة الله عليه ليتحقق بذلك قول امير المؤمنين بكل جزئياته ودفن رحمة الله عليه في مكان نائي ليصبح بعد ذلك علماً من اعلام الصادقين نسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******