فكان أبناء الشعب الإيراني لايبالون بأي خطر يداهمهم من قبل فلول أزلام الشاه الهارب (السافاك)، ونظامه المهزوز، ولا يعيرون أي اهمية لأي تهديدات خارجية بالتدخل العسكري المحتمل لإعادة الشاه ونظامه الملكي المتهرئ للبلاد. بل ان الشعب كان يواصل السير متمسكا بإرشادات قيادته التي كانت تتجسد في شخصية عرفت فيما بعد بأنها فريدة عصرها، الإمام الخميني الراحل.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فبعيدا عن الطبيعة التي آلت إلا أن تجسد نفس الأجواء التي كانت عليها لحظات إعلان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث هطول الأمطار الغزيرة، وتساقط الثلوج في معظم المدن الإيرانية، لترسم لوحة متكاملة من الحضور المتراص لأبناء الشعب في قضية تهم البلاد، لن يحيد عنها الشعب مهما تكالبت عليه المصاعب وتآمرت عليه القوى الإستكبارية.
لكن ما يلفت نظر المحللين والمراقبين السياسيين هو ان الظروف التي يمر بها العالم وخاصة المنطقة وبالتحديد ايران الإسلامية لايمكن مقارنتها بأي فترة من الفترات السابقة على مدى العقود الأربعة الماضية.
فبالرغم من كل العقبات التي زرعها أعداء الثورة في طريقها، وكل المخططات التآمرية التي حيكت ضدها إلا أن هذا العام إمتاز بميزة أكبر من أي فترة اخرى.
واذا تخلينا عن كل الخدمات التي قدمتها الثورة للشعب الإيراني وشعوب المنطقة، سنجد أنها جسدت رؤيتها الإنسانية- العالمية دون أن تقف عند حد او لغة أو لون.
فعندما أطلق الإمام الخميني الراحل على الثورة الاسلامية صفة "ثورة المستضعفين"، وقال ان إيران الإسلامية ستقف الى جانب كل المستضعفين وتناصرهم أينما حلوا في كل بقاع العالم، فها هي اليوم تجسد هذا الجانب الإنساني رغم كل المشاكل التي يحاول زرعها المستكبرون في طريقها، فلا الحظر الظالم والمستمر على مدى اربعين عاما ضد ايران الإسلامية، ولا الحروب النيابية التي يشنها حلفاء الإستكبار ضدها، لم ولن تتمكن النيل من صورة وحقيقة الثورة الإسلامية.
فكم أرادوا تشويه صورتها، بل وتشويه الأرضية التي تستند إليها، لتوجيه صفعة لانظير لها للإسلام على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال إختلاقهم لجماعات تتظاهر بالإسلام، وتقتات على فُتاتهم، لكن ايران رغم كل ذلك، وقفت الى جانب شعوب المنطقة وبلدانها، ومنعت الجماعات الإرهابية من العبث بها وتفتيتها، بل وقفت إلى جانب كل بني الإنسان الذين لم يسلموا من إرهاب الجماعات التكفيرية، وأزاحت الستار عن وجه المتبجحين بحقوق الإنسان والديمقراطية، من خلال إختلاقهم للجماعات الإرهابية ودعمهم للأنظمة الرجعية المموِلة لها فكريا وماديا وتسليحيا. وهذا ما جعل ايران تبقى نقية من كل هذه الأدران.
وأما على الصعيد الداخلي يكفي أن نشير الى صحيفة أعمال إيران التي باتت نقية كنقاء الثلوج المتساقطة عليها في ذكرى إنتصارها الأربعين وهي تتعافى يوما بعد آخر، رغم كل المؤامرات المُحاكة ضدها، والقيود التي يحاولون فرضها عليها.
فإيران اليوم غَلُظ عُودُها وإستقوى ساقُها، وإنتعشت صناعاتها، وتنامت قدراتها الدفاعية، في حين ما اُريد لها هو التراجع والتقهقر، بل والركون والرضوخ لما يُملى عليها من قبل اولئك الذين يحلمون بإعادتها الى بيت الطاعة الأمريكي.
فها هي ايران ونتيجة صمود أبنائها وتضامن شعبها وحنكة قيادتها الحكيمة تقف سدا منيعا تلوذ به كل شعوب المنطقة وأحرار العالم لتشكل تيارا يلم شمل المقاومين من شتى أرجاء العالم رغم اختلاف السنتهم وألوانهم وتوجهاتم. لأنهم يرونها الحصنَ الحصين الذي يُجسدُ حقوق الإنسان ويهديه الحرية والثبات على معتقده وهويته.
حتى اصبحت الهزيمة والخسران والخروج من الساحة من نصيب المستكبرين وعملائهم الذين يحاولون تكميم الأفواه ومصادرة الحقوق لصالح الأسياد، ليبقى الشعب هو الحاضر، والمتحكم الأقوى بالساحة أينما حل، لأنه يرى من ورائه نظاما اسلاميا انسانيا، يدعمه ويدعم مطالباته الحقة، للتحرر والتخلُّص من القيود التي يحاول الإستكبار العالمي وأصابعه الخيانية الداعمة للأنظمة الإستبدادية الرجعية.
فطوبى لإيران التي جددت اليوم ثيابها الناصعة، بنقاء تطورها السلمي في المجالات العلمية والتقنية والدفاعية، وحيا الله كل مناصري الثورة الإسلامية والمدافعين عن حياض بلدانهم وهوية أوطانهم في مشارق الأرض ومغاربها، خاصة اولئك الذين لايقبلون بتضييع حقوق نظرائهم من بني الإنسان، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني ويدعمون كفاحه لإستعادة أرضه وكافة حقوقه المسلوبة.
*عبدالهادي الضيغمي / العالم