الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في مجال الحديث عن الصادقين، الصادقون بالمعنى الاخص هم اهل البيت(رض) "يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"هم اهل البيت، لكن من مصاديق هذا المعنى احد الشخصيات الاسلامية العظيمة هو صفي الدين الحلي شاعر اهل البيت وناصر اهل البيت، اسمه عبد العزيز بن السرايا الحلي وهو تلميذ المحقق الحلي(رض)، عبد العزيز بن السرايا كان شاعراً وفي عصره لم يشهر شاعر كما اشتهر شاعرنا المترجم، كان شاعر اهله على الاطلاق وقصائده تمتاز بمعناه الجميل والفاظها المطربة واكثر شعره كان شبه سيوف مسلولة في نصرة اهل البيت(رض)، له ديوان شعر كبير وطبع عدة مرات وله ايضاً سفرات حساسة ودقيقة، مثلاً سافر الى مصر عام 736 هجرية وله هناك صولات وجولات وناقش فيها الكثير من العلماء والكتاب خصوصاً القاضي علاءالدين بن الاثر وغيره من فضلاء مصر فأعترفوا بفضله وعاد بعدها الى ماردين وان في هذه السفرات ساهم من قريب او من بعيد في نشر العلم والادب ودحض الشبهات التي كانت سواء تثار على صعيد الطعن بالاسلام او بمبادئ اهل البيت وتراث اهل البيت.
اشتهر لشاعرنا هذا المترجم الكثير من الشعر وخصوصاً هذه القصيده التي رد فيها على ابن المعتز، كأن ابن المعتز يدافع عن العباسيين في غصبهم الخلافة من اهل البيت ويعطي الشرعية لتصرفهم هذا بـأنهم ورثوا ثياب النبي وعصا النبي ويشير ان العصا التي اخذها المنصور الدوانيقي من الامام الصادق او الثوب الذي خلعه النبي لكعب الشاعر وانتقل عبر الامويين الى ال العباس فكان يعطي طابع الشرعية لغصب الخلافة من اهل البيت بشعره مثلاً يقول:
ونحن ورثنا النبي
وكم تجذبون بأهدا بها
لكم رحم يا بني بنته
ولكن بنو العم اولى بها
فردّ عليه شاعرنا صفي الدين رحمة الله عليه بقصيدة رنانة ومضمونها كان يشكل قذائف على ادعاءات الباطل مثلاً يقول فيها:
الا قل لشر عبيد الا له
وطاغي قريش و كذّابها
باغي العباد وناعي العناد
وهاجي الكرام ومغتابها
أأنت تفاخر آل النبي
وتجحدها فضل احسابها؟
بكم باهل المصطفى ام بهم
فردّ العداة بأوصابها
واقرأ لكم ايضاً فصولاً من قصائده الاخرى في اهل البيت وفي الامام علي(رض) مثلاً يقول وهذا جهاد رائع من جهاد الكلمة او جهاد اللسان يقول في الامام امير المؤمنين(رض):
فوالله ما اختار الا له محمداً
حبيباً وبين العالمين له مثل
كذلك ما اختار النبي لنفسه
علياً وصياً وهو لابنته بعل
وصيّره دون الا نام اخاً له
وصنواً وفيهم من له دونه الفضل
وشاهد عقل المرء حسن اختياره
فما حال من يختاره الله والرسل
هذا دليل على كمال الرجل هو حسن اختياره فكيف اذا كان الاختيار من صاحب الكمال المطلق وهو الله سبحانه وتعالى، فما اجمل قول هذا الشاعر:
وشاهد عقل المرء حسن اختياره
فما حال من يختاره الله والرسل
وله الكثير ايضاً، وله ايضاً هذه المنظومة:
تولى علياً وابناءه
تفز في المعاد واهواله
امام له عقد يوم الغدير
بنص النبي واقواله
له بالتشهد بعد الصلاة
مقام يختبر عن حاله
فهل بعد ذكر اله السماء
وذكر النبي سوى اله؟
بشير الى التشهد، الى الصلاة، الهم صلي على محمد وآل محمد وهذا يرويه كل اصحاب السير واصحاب الصحاح خصولا البخارى، النسائي انه لما نزلت الاية على النبي "انّ الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً" فقال المسلمون: يا رسول الله كيف نصلي والاية لطلقت المعنى، فقال النبي: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم، فهذا المعنى يضمنه المرحوم صفي الدين الحلي:
له بالتشهد بعد الصلاة
مقام يختبر عن حاله
فهل بعد ذكر اله السماء
وذكر النبي سوى اله؟
وله ايضاً شعراً يخاطب فيه الامام امير المؤمنين:
جمعت في صفاتك الاضداد
فلهذا عزّت لك الانداد
وهذا من النمط الرائع من شعره يشير الى صفات الامام علي المتضاربة، كأن الانسان يعرف بأنه سمح ورقيق فهذا لا يستطيع ان يدخل لهوات الحرب او المجالات التي تحتاج الى قوة والى عنف لكن بالنسبة للامام علي(رض)، كان يجمع بين الحالتين "كنت للكافرين عذاباً اليماً وللمؤمنين اباً رحيماً" فيشير الى هذا المنى كيف تتضارب الطباع لكن عند الامام علي كانت مجتمعة "اخ الذكر والمحراب ان جنّ ليله وصنوا لقنا والسيف ان طلع الفجر" فيشير الى هذا صفي الدين الحلي:
معت في صفاتك الاضداد
فلهذا عزّت لك الانداد
زاهد حاكم حليم شجاع
ناسك فاتك فقير جواد
الزاهد لا يقترب الى منصة القضاء لكن الامام امير المؤمنين زاهد وبنفس الوقت هو قاضي، تولى هذا المنصب وولاه رسول الله هذه المهمة وهو يشهد بحقه "اقضاكم علي".
شيم ما جمعن في بشر قط
ولا حاز مثلهن العباد
خلق يخجل النسيم من اللطف
وبأس يذوب منه الجماد
هذا الانسان الذي مرة تلحظه بعينك فتراه ينزل الى مستوى البساطة والتواضع بحيث هو مع غلامه قنبر يشتري ثوبين فيعطي الثوب الذي هو بخمسة دراهم لقنبر ويبقي الذي قيمته ثلاثة دراهم لنفسه، مقابل هذا الامام العظيم اذا وقف في ساحات النزال يعطي لاعداء الاسلام من البأس ومن القوة ما يترك التاريخ مدهوشاً لشدته، كان صلوات الله عليه يصف نفسه "فوالله لابن ابي طالب أأنس بالموت من الطفل الى محالب أمه" غرضي ان هذه الصفات جمعها صفي الدين الحلي يقول:
خلق يخجل النسيم من اللطف
وبأس يذوب منه الجماد
ظهرت منك للورى معجزات
فأقرّت بفضلك الحساد
المرحوم عبد العزيز صفي الدين الحلي توفي ببغداد ودفن هناك وذلك عام 750 للهجرة وله مزار مشهود فرحمه الله وضاعف. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******