الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من اعلام الصادقين، وهو مصداق بالمعنى الكامل للصادقين، هي المرأة المناضلة آمنة بنت الشريد، في مدينة حمص بسورية يوجد قبر في شمال البلدة وهو قبر المرحومة المناضلة آمنة بنت الشريد(ع).
فمن هي آمنة بنت الشريد وماهي قضيتها، طبعاً قضيتها قضية الصراع بين الحق والباطل. بعد مصرع الامام امير المؤمنين(ع) اخذ معاوية يطارد جميع من كان يتودد لعلي بن ابي طالب او كل من اسهم ولو قليلاً في دعم الامام، بغية الانتقام منه والنكاية منه وبالتالي القضاء عليه.
وفي هذا المسلسل المؤلم الدامي، نجد في طليعة من طاردهم معاوية هو عمر بن الحمق الخزاعي(رض)، وطبعاً له حديث منفصل ومفصل، لكن معاوية في البداية لم يتمكن من هذا المناضل وبعد ان راغ منه ويأس من الظفر به عمد الى استعمال اسلوبه الارهابي القبيح بأستخدام النساء كرهائن، وطبعاً هذا خلق بني امية، يعني جبلت طباع بني امية على هذا، ومن يريد التعمق في هذا المعنى يمكن ان يراجع سير بني اميه سوى من يوم احد الى عهد مروان بن الحكم وهكذا في عهد معاوية، ابوسفيان، على اي حال لاننسى ما فعله ابوسفيان وما فعلته هند في كبد الحمزة عم النبي(ص).
ثم تعاملهم مع النساء على اي حال، واذا بمعاوية بن ابي سفيان امر بسجن زوجة هذا المناضل وهو عمر بن الحمق الخزاعي واجمالاً سجنت هذه المرأة الصابرة كرهينة، وانا لله وانا اليه راجعون. بقيت هذه المرأة في زنزانتها اكثر من ثلاثين شهراً وهي منقطعة عن العالم كله ولاتعلم اي شئ عما يدور في الحياة، لان السجين حي وميت، وبالتالي ظفر معاوية على طريق ذنب من اذنابه وهو عبدالرحمن بن الحكم، وصفحاته سوداء، هذا الذنب بفضاعته واساليبه القاسية وآخر المطاف ان قتل عمر بن الحمق الخزاعي بأمر معاوية وارسل رأسه الى معاوية، وطبعاً هذا اول رأس يحمل في الاسلام من بلد الى بلد وهذه من مخازي بني امية ايضاً، وهذا مقطع فخري من سلوك معاوية بالذات، ما كان قبلاً هذا المعنى متداولاً، ايام الرومان حملوا بعض رؤوس مناوئيهم، في الحبشة ايضاً كانت تحدث حالات مماثلة ربما هذه العقلانية ورثوها من اولئك، عموماً اخذ الرأس معاوية وارسله بيد احد شرطته وقال له ادخل على زوجته آمنة بنت الشريد، وهنا لب المطلب كما يقال.
انظروا الى سلوك معاوية، اعطى الرأس الى شرطيه قال ادخل على زوجة عمر وهي آمنة بنت الشريد وباغتها والق الرأس في حجرها، ثم انظر الى ردة فعلها، ماذا ستقول ، ماذا ستفعل؟ وكان الرأس ملفوفاً بقطعة منديل والمرأة جالسة في زنزانتها، فوجئت بهذا الشرطي، يلقي بالرأس في حجرها، فصعقت لما فتحت المنديل وواجهت وجه زوجها.
قال المؤرخون نقلاً عن هذا الذنب المجرم، الشرطي بأنها بقيت ساعة مغماً عليها، ثم افاقت فتحت عينيها ولاحظت ان الرجل واقف وهي ادركت مغزى وقوفه، فقالت: واحزناه غيبتموه عني طويلاً واهديتموه الى قتيلاً، فأهلاً وسهلاً بمن كنت له غير قاليه وانا له اليوم غير ناسية وسأبقى طول دهر عليه ناعية، ثم التفتت الى هذا الرجل الشرطي وقالت له بكل رباطة جأش: عد الى معاوية وقل له ايتم الله ولدك واوحش منك عيالك ولا غفر لك ذنبك.
فرجع هذا الرسول وهو الشرطي وعكس ذلك كله على معاوية، فأنتفخت اوداجه غضباً وامر بأحضارها وعندما اوقفت بين يديه وكان الديوان او البلاط غاصاً بجمع غفير فادخلت هذه المرأة الصابرة وسط ذلك الجمع لكنها تعاملت مع الموقف بما يتناسب واحباء امير المؤمنين وكأنها تلميذة لبني هاشم، وكأنها تتفجر ثورة بعد ثورة، فهاجمها معاوية قائلاً: أأنت يا عدوة الله صاحبة الكلام يعني يشير الى ما نقله ذلك الشرطي، صاحبة الكلام الذي بلغني عنك؟ قالت : نعم، وانا عنه غير نازعة، ولا معتذرة ولا منكرة ولعمري لقد اجتهدت بالدعاء عليك وان الحق لمن وراء العباد وما بلغت شيئاً من جزاءك وان الله بالنقمة من وراءك.
فانبهر الجمع على شجاعتها، وهنا انبرى احد سيء المحضر وهو من اراذل معاوية اسمه اياس، هذا كان، اراد ان يطبق سوء محضره وخبثه، فصاح بصوت عال، اقتلها يا امير فأنها احق من زوجها بالقتل، فألتفتت اليه آمنة قائلةً: تباً لك، تدعوه الى قتلي كما قتل زوجي بالامس؟ أتريد ان تكون جباراً في الارض؟ فقال لها معاوية: اخرجي ولا اسمع عنك انك في الشام.
ثم انبرى لها الهلالي، الظاهر انه من زمرة معاوية قال لها: لعنك الله أتسبين امير المؤمنين؟ فقالت: أتلعنني واللعنة بين جنبيك وما بين قرنك وقدميك، فبهت ذلك الرجل وسكت، وطبعاً استأثر بكلامها الحضار واحد جلساء معاوية تأثر واخذ بكلامها، فكان ينظر اليها ويقول: يا امير المؤمنين «يخاطب معاوية» لم اكن ارى شيئاً يبلغ من النساء يبلغوا معاضيل الكلام ما بلغت هذه المرأة، انها تحمل قلباً شديداً ولساناً حديداً وجواباً عتيداً وهالتنا رعباً واوسعتنا سباً.
طبعاً معاوية كان يحسب حساب لما تتمتع به هذه المرأة بل كل تلاميذ اهل البيت يحسب لقوة بيانهم، يعني سلاح اللسان والكلمة الهادفة والتعليقة الناطقة الصارخة، فكان معاوية يستعمل سلاح ذو حدين، اما بالهباة لاسكاتهم واغراءهم واما بالاساليب القمعية كأبي ذر مثلاً لما ارسل له معاوية مالاً ورفض وارسل الكمية تلك بل ازادها بيد عبد وقال له فيها عتقك اذا استطعت ان تقنعه بأن يأخذها، فرفض ابوذر فقال له الغلام: ان فيها عتقي فضحك ابوذر قال: ان كان فيها عتقك ففيها رقي،انا اصبح عبداً له، عن ثقافة ووعي كان يتعامل مع الموقف، هذه المرأة هي على غرار ابي ذر، على غرار امير المؤمنين.
في الرواية ان معاوية كان يرسل اليها الهباة فترفض قبولها ويوماً قالت لرسول معاوية وكان مدججاً بالمال، عبيد بن اياس قالت: يا عجبي لمعاوية يقتل زوجي ويبعث الى بالمال، لا والله لا اقبل منه هبة ابداً، آخر المطاف ان هذه المرأة او هذه المناضلة خرجت تريد الجزيرة وكان لسانها يفضح معاوية وآل امية وكانت ما تمر بجمع الا وتحدثت وما تمر بنساء الا وخاطبتهن بواقع الامور وكانت المعلومات طبعاً تصل الى معاوية، فمرت بحمص وكانت هي عنصر شكل خطراً على كل بني امية، بقيت ايام قال المؤرخون بأنها مرضت هناك وطبعاً لا نعرف هل ان من وراء مرضها كان امر غامض لان بني امية لاحقوا خصومهم بكل الوسائل والاساليب فتوفيت في حمص ودفنت هناك واخيراً هذه اللفتة اقولها، حين وفاتها دخل احد اراذل معاوية عليه وهو الاسلع، البشارة، البشارة يخاطب معاوية ابشرك، سأله قال: ان آمنة ماتت، ماتت بنت الشريد وقد كفيت شر لسانها فأستبشر معاوية بذلك ولكن بطبيعة الحال من حقه ان يستبشر لانه يريد ان يسخر الالسن لصالحه ومشتهياته لكن للباطل جولة وللحق دولة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******