اذا نظرنا الى التاريخ نجد بان الدول الاوروبية المستعمرة استخدمت في البداية اسطولها البحري وسفنها للسيطرة على البلدان الاخرى في انحاء العالم ومن ثم واثناء الحربين العالميتين الاولى والثانية ظهرت اهمية سلاح الجو في المعارك ورغم ذلك ظلت القوات البحرية تشكل اهم اعمدة القوة العسكرية للدول الكبرى ولولا ارسال الاميركيين لاسطولهم البحري الى اوروبا لانقاذ السفن البريطانية والفرنسية لدمرت المانيا قدرات الحلفاء الغربيين.
واثناء السنوات الاخيرة للحرب العالمية الثانية برز دور القوات الجوية بشكل كبير في حسم المعارك ومن ثم ظهر السلاح النووي على الساحة، وبات ما يميز قوة عظمى عن قوة عادية هو حجم انتاج السلاح وقدرات الاسطول البحري وتطور القوات الجوية وحيازة السلاح النووي ، لكن في هذه الايام ونظرا للاختراعات الحديثة والمعقدة وطبيعة المواجهات بين الدول لايمكن لدولة ما الاعتماد على عناصر القوة السابقة لدخول نادي القوى العظمى.
في عالمنا اليوم اذا كانت الحرب ضد الارهابيين فان القوات البرية والجوية والاستخبارات هي التي تحسم المعركة كما يلعب الجيش السايبيري دورا بارزا في الحرب النفسية، واذا كانت الحرب اقتصادية فان ادوات الحظر والعقوبات هي التي تشكل السلاح وكذلك مدى التبعية الاقتصادية للدول للقوى الاقتصادية في العالم. واذا كانت المعركة من اجل ترسيم الحدود فان القوات البرية هي اداة الانتصار باستخدام الدبابات والاسلحة المضادة للدبابات والصواريخ.
اما من اهم الادوات المؤثرة في اية حرب واي اشتباك اليوم هناك القوة السايبيرية بالاضافة الى التكنولوجيات الحديثة كالصواريخ الجديدة والاهم من ذلك الطائرات المسيرة.
يعتقد الكثير من المحللين المراقبين للحروب الاخيرة في العالم ان الطائرات المسيرة ربما تحل مكان الطائرات الحربية المقاتلة في الحروب المستقبلية فاستخدام المسيرات تقلل من الحاجة لاستخدام الطائرات المقاتلة.
في حرب اليمن، والمواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني وحتى في حرب غزة والضفة الغربية والحرب الاخيرة بين أذربيجان وأرمينيا ثبت مدى اهمية الطائرات المسيرة في حسم النتيجة، وعندما ننظر الى حرب روسيا واوكرانيا فلا يتوقع احد ان تشن اوكرانيا هجوما عسكريا مباشرا على دولة تمتلك اكبر ترسانة نووية في العالم، كما ان استخدام الاسلحة البيولوجية ايضا تثير ضجيجا صاخبا على الساحة الدولية، لكن للصواريخ تاثيرها وكذلك للاسلحة المضادة للدبابات، ان امتلاك القوة العسكرية المتفوقة في الحروب الحديثة يعني امتلاك اسطول بحري وجوي قوي والغواصات النووية واسطول للاتصالات والمعلومات ( مثل الاقمار الصناعية التجسسية) والسلاح النووي ووجود المعرفة الكافية للعمل في الفضاء الافتراضي والحرب السايبيرية والحرب الالكترونية.
لكن في الحروب الاخيرة فان اية دولة حتى لو امتلكت اعلى درجات العلم والمعرفة والقدرات العسكرية فانها لا تستطيع تحقيق اهدافها من دون وجود طائرات مسيرة تجسسية وعسكرية، حيث تمتلك الطائرات المسيرة قدرات عالية في تحديدالاماكن والاهداف وان كلفة انتاجها متدنية ايضا قياسا مع تأثيرها في الحرب وضرب الاهداف بشكل مباشر مع تراجع نسبة الاخطاء، وهكذا تحولت المسيرات الى افضل الادوات الحربية في عالمنا اليوم.
لو لم يمتلك اليمنيون طائرات مسيرة للدفاع عن انفسهم ورفع تكاليف الحرب بالنسبة للسعوديين عبر استهداف منشآت آرامكو، لربما سجلت السعودية انتصارا سريعا ومنخفض التكلفة في الشهور الاولى من الحرب، لكن المقاومة بالطائرات المسيرة والصواريخ اثبتت امكانية استخدام الادوات الحديثة ورفع تكلفة المواجهة للطرف المقابل. وفيلبنانوالمواجهة مع الصهاينة فان الطائرات المسيرة تلعب دورا مؤثرا جدا ويمكنها اخلال موازين القوى عسكريا واستخباراتيا لمدة زمنية طويلة.
في الحروب التي تجري على الحدود بين البلدين حيث يستصعب الوصل الى الخطوط الامامية والنفوذ الى داخل اراضي الدولة الاخرى، يظهر الدور الهام للطائرات المسيرة، وقد استفادت أذربيجان من هذه التجربة في حربها مع أرمينيا كما استفادت اوكرانيا من هذا النموذج وتوجهت نحو شراء الطائرات المسيرة من تركيا، فبعد شهور من الاقتتال والتكاليف الباهظة لاستخدام الدبابات والصواريخ قصيرة المدى ومتوسطة المدى والصواريخ المضادة للدبابات وحتى الحصار البحري توصل الطرفان الى نتيجة مفادها بان الأداة التي يمكن ان تغير نتيجة الحرب الى حد كبير هي الطائرات المسيرة. ان الدول التي تحصل على توطين معرفة انتاج هذه الاداة العسكرية والاستخباراتية ستتحول الى قوة عظمى.
لقد عملت ايران في مجال القدرات العسكرية والاستخباراتية كالمجال السايبيري وانتاج الاسلحة الحديثة كقوة اقليمية لكن في مجال الطائرات المسيرة فقد تحولت الى قوة عظمى وقد وصل الامر الى ان تتجه روسيا نحو ايران لانتاج الطائرات المسيرة من اجل الانتصار على اوكرانيا في حرب نيابية يشنها الغرب ضد روسيا، علما بان روسيا دولة قوية جدا من الناحية العسكرية ولديها اسلحة نووية.
ان نبأ ارسال الطائرات المسيرة الايرانية الى روسيا للاستفادة في حرب اوكرانيا وتدريب القوات الروسية على استخدامها (اذا صحت هذه الأنباء) دليل على تحول ايران من قوة اقليمية الى قوة عظمى عسكرية ، وهذه القوة جاءت بفضل الاعتماد على القدرات الذاتية خلافا لباقي الدول في المنطقة والتي تعتمد على استيراد السلاح الغربي بشكل ضخم.
في يوم من الايام كان الاسطول البحري للدول الاستعمارية هو معيار القوة العظمى لكن المعيار اليوم يتوقف على عوامل عدة منها القدرات الصاروخية والطائرات المسيرة والحرب الالكترونية والقدرة على شن عمليات في حرب غير متكافئة، والقدرة على خوض حرب سايبيرية والحرب الالكترونية. وتتحول ايران في جميع هذه المجالات من قوة اقليمية الى قوة عظمى.