البث المباشر

احلى الكلام -۳۳

الأحد 20 يناير 2019 - 13:04 بتوقيت طهران

الحلقة 33

كتب إليّ زميلي القديم في التدريس عبد الحميد المصريّ من بلاد الأسوج المسمّاة اليوم السّويد أن ماذا قبل هذا البيت؟
وحبّذا نبذة عن قائله:

إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكد

إليه بوجه آخر الدّهر تقبل

قلت لشقيق القلب عبد الحميد (رعاه الله): قبل هذا البيت قوله:

وأيّ اخ تبلو فتحمد أمره

إذا لجّ خصم أو نبا بك منزل

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته

على طرف الهجران إن كان يعقل

ستقطع في الدّنيا إذا ما قطعتني

يمينك فانظر أيّ كفّ تبدّل

إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم تكد

إليه بوجه آخر الدّهر تقبل

وهذه الأبيات المغنّاة لمعن بن أوس المزنيّ، وهو شاعر مجيد فحل من مخضرمي الجاهليّة والإسلام، وله مدائح في جماعة من الصّحابة.
وقد وفد على عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) به على بعض أمره، وخاطبه بقصيدته الرّائعة التي مطلعها:

تأوّبه طيف بذات الجرائم

فنام رفيقاه وليس بنائم

قلت: قوله: تأوّبه طيف يعني أتاه ليلاً.
ومن عارفي الشعر من قال: كان أشعر أهل الجاهليّة من مزينة وهو زهير، وأشعر أهل الإسلام منهم، وهو ابنه كعب ومعن بن أوس.
وكان معن لا يولد له إلاّ البنات، وهو يحسن صحبتهنّ وتربيتهنّ، فولد لأحد عشيرته بنت، فكرهها، وجزع منها جزعاً شديداً، فقال معن:

رأيت رجالاً يكرهون بناتهم

وفيهنّ لا تكذب نساء صوالح

وفيهن والأيّام تعثر بالفتى

نوادب لا يمللنه ونوائح

ومن رائع شعره قوله –وله خبر رواه الأصمعيّ، ولا يسعني ذكره-:

ورثنا المجد عن آباء صدق

أسأنا في ديارهم الصّنيعا

إذا الحسب الرّفيع تواكلته

بناة السّوء أوشك أن يضيعا

ومن أخبار معن بن أوس أنّ عبدالملك بن مروان قال لعدّة من أهل بيته وولده:
ليقل كلّ واحد منكم أحسن شعر سمع به.
فذكروا لإمرئ القيس والأعشى وطرفة، فأكثروا، حتّى أتوا على محاسن ما قالوا.
فقال عبد الملك: أشعرهم والله الذي يقول:

وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه

بحلمي عنه وهو ليس له حلم

إذا سمته وصل القرابة سامني

قطيعتها تلك الّسفاهة والظلم

فأسعى لكي أبني ويهدم صالحي

وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم

يحاول رغمي لا يحاول غيره

وكالموت عندي أن ينال له رغم

فما زلت في لين له وتعطّف

عليه كما تحنو على الولد الأمّ

لأستلّ منه الضّغن حتّى سللته

وإن كان ذا ضغن يضيق به الحلم

وحسب الأستاذ الكريم الأخ عبد الحميد المصري هذه النبذة عن الشاعر الجاهليّ الإسلاميّ المجيد معن بن أوس المزني.
وكتب إليّ الأخ يوسف الدوريّ من بغداد يسأل عن قائل هذا البيت:

المؤمن الحقّ كان الله غايته

والله كان لديه السّمع والبصرا

قلت للأخ الدّوريّ العزيز: هذا الجمال العذب الدّافق في الكلمة المشرقة هو قبس من قلب شاعر الإسلام الحقّ ومفكّره الصدق محمّد إقبال اللاهوريّ (رحمه الله وغفر له) من استنهاضه المسلمين إلى الحياة الخالده الحرّة الكريمة التي لا تتسنّى إلاّ بحبّ الموت في سبيل الله (عزّ وجلّ) وإقامة أحكامه.
وهذه هي أبيات اللاهوريّ، وصدرها البيت المسئول عنه:

المؤمن الحقّ كان الله غايته

والله كان لديه السّمع والبصرا

والآن أضحى إلاه المال قبلته

وخوفه الموت أفناه وما شعرا

سيّان في الشّرك هذا عابد ذهباً

يسعى إلى جمعه أو عابد حجرا

يا مؤمناً بلقاء الله ما لك في

ذعر من الموت قد أشبهت من كفرا

من كان يحسب أنّ الموت هاوية

وأنّه عدم يستأصل البشرا

هذا هو اللهب المشتعل بقلب طهور سمّاه الناس إقبالاً اللاهوريّ.
وقد سطح نوره سنة ستّ وسبعين وثماني مئة وألف للميلاد.
أسلم أجداده البراهمة قبل ثلاثة قرون، وهاجروا من كشمير إلى البنجاب فراراً من الأذى والخوف.
وبدا ذكاؤه الفائق، وفطنته الثاقبة في أوّل تعليمه، فسبق الأقران، وفاز بالجوائز، وجلّى في الفلسفة حتّى وقع عليه الاختيار لتدريسها في الكّليّة التي تخرّج فيها بلاهور.
وأنشد الشّعر في صباه عذباً آسراً لذيذاً ممتعا، فأصغت إليه القلوب والأرواح، وتنافست الأفئدة في الاقتباس من سنا صدقه الصافي، والانطلاق بحرارة عزمه الماضي في العودة بالناس إلى مجد الإيمان وعزّة الرّحمان تبارك وتعالى.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة