في تلك الفترة لم يؤخذ هذا التحذير من قبل الكثيرين على محمل الجد، الا ان الذي تشهده امريكا اليوم وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية الاخيرة، اثبت صحة وجدية ذلك التحذير، حيث مازال الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب يرفض نتائج الانتخابات، متهما كل المؤسسات الامريكية، دون استثناء انها زورت الانتخابات، وان هناك مؤامرة كبرى تستهدفه، وانه سيحارب حتى الاخير من اجل اثبات انه الفائز.
رغم عدم تسجيل اي عمليات تزوير، بشهادة جميع عضاء الحزب الجمهوري من الذين شاركوا في مراقبة صناديق الاقتراع وفرز الاصوات.
هذا الانفصال الكامل عن الواقع الذي يعاني منه ترامب، جعل منه رجل خطير، فهو لا يهدد الديمقراطية الامريكية فحسب بل يهدد امريكا ذاتها، فالذي لا يرى الواقع رغم وضوحه ، كما ظهر في تعامله مع قضية الانتخابات، ترى كيف يمكن ان يتعامل مع نشوب ازمة خطيرة مع دول مثل الصين او روسيا او ايران او كوريا الشمالية؟.
يرى الكثيرون ان التصرفات والتصريحات الغريبة لترامب بعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية، امام منافسه الديمقراطي جو بايدن، ليست جديدة، بل اصبحت اكثر وضوحا فقط، فالصحافة الامريكية كانت قد رصدت سلوكيات ترامب، حتى خلال حملته الانتخابية الاولى عام 2016 ، فالعديد من الاعلاميين والعاملين في مجال الصحة العقلية، حذروا حينها من ان ترامب يعاني امراض نفسية متعددة منها النرجسية والسادية، الا ان الدائرة الضيقة حول ترامب حاولت الدفاع عنه معتبرين ما يشاع حوله ليست سوى شائعات سياسية كيدية.
من اكثر الاحداث التي كشفت خطورة شخصية ترامب واعتلاله النفسي، كان التقرير الذي اصدره طبيب ترامب الخاص الدكتور هارولد بورنستاين والذي اكد فيه على ان صحة ترامب النفسية ممتازة بشكل مدهش وانه أصح من أي شخص سابق ينتخب للرئاسة الامريكية. ولكن بعد فترة قصيرة من اصدار هذا التقرير كشف الدكتور بورنستاين ان ترامب هو الذي أملى الخطاب عليه عبر الهاتف، وطلب منه ان يوقع عليه.
عالم النفس جون غارتنر جمع في عام 2017 أكثر من 25 ألف توقيع من العاملين في مجال الصحة العقلية على عريضة تقول:"ان مهنتي تحتم علي ان اقول أن دونالد ترامب يعاني من مرض عقلي خطير يجعله غير قادر نفسيا على أداء واجبات رئيس الولايات المتحدة بكفاءة. وأرجو أن يتم عزله من منصبه".
وكشفت العريضة ايضا عن ان الإعاقات الذهنية التي يعاني منها ترامب هي مزيج من نرجسية وجنون ارتياب واعتلال نفسي و سادية.
اللافت ان كل هذه الشهادات حول اعتلال ترامب النفسي وخطورة شخصية، لم تصدر الا بعد انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، اي ان من السهل جدا الطعن فيها واعتبارها كيدية، وان وراءها الحزب الديمقراطي، كما انه من الصعب جدا ان يتم اخضاع رئيس فعلي يتمتع بالحصانة والنفوذ، للفحص النفسي.
ظاهرة ترامب ، يبدو انها ستكون درسا ليس لامريكا فقط بل لجميع دول العالم ، لاسيما الدول الكبرى، لكي لا تكتفي بشعبية الشخصية او بالهالة الاعلامية التي تحيط به، لتتقدم للترشح للانتخابات الرئاسية، فلابد ان تخضع للفحص النفسي والتاكد من سلامته العقلية، قبل كل شيء، فهذه القضية اهم بكثير من “فحص” مكان مولد المرشح، او سجله المالي او السياسي، فكل هذه "الفحوص" لن تكون بخطورة ان تضع دولة ما زر السلاح النووي بيد شخص مجنون.
الكاتب / فيروز بغدادي
المصدر : موقع شفقنا العربي