البث المباشر

إستهداء بغيرة أبي الفضل العباس عليه السلام

الأحد 21 أكتوبر 2018 - 18:48 بتوقيت طهران

السلام عليكم أيها الأحباء  معكم في لقاءٍ آخر من هذا البرنامج نستنير فيه بقبسات من الهدايات الحسينية في خضم حوادث واقعة الطف الخالدة ثم ننقل لكم بعدها حكاية مؤثرة لإستهداء شاب أنهكته الذنوب والمعاصي بموقفٍ خالد لأبي الفضل العباس(عليه السلام). 

على جلالته ومهابته.. بسط الإمام الحسين يدي إحسانه وعطفه، وخفض جناح خيره ورأفته، فوجّه إلى الملأ صادق دعوته: "أمّا بعد، فإنّه من لحق بي منكم استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح، والسلام"، وصارح من ماشاه خلال الطريق: "من أحبّ منكم أن ينصرف معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته، ومن أحبّ المفارقة أعطيناه من الكراء على ما قطع من الأرض"، ففارقه بعضهم، ومضى من أحبّ صحبته بعضهم. هكذا كان الحسين صلوات الله عليه، صريحا صادقاً، طيباً من الجميع، وهو يومها راحلٌ إلى الله، ولا يلائم رحلته القدسية إلّا من تشرف بطاعة ولي الله، وأحبّ لقاء الله.


ومِن"زَرُود" وقد بلغه خبر شهادة مسلمٍ وهاني بن عروة وعبدالله بن يقطر، كتب الحسين عليه السلام:"من أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، وليس عليه ذمام"، وقال لمن صحبه مصارحا ً:"من كان منكم يصبر على ضرب السيوف وطعن الأسنّة، فليقم معنا، وإلّا فلينصرف عنّا"، أجل، فتفرق القوم ولم يبق معه إلّا الذين خرجوا معه من مكة، ليعرجوا معه إلى رحاب الله ومرضاته.


ويمضي الحسين أبوعبدالله ووجوده المبارك يعطر هداية وخيرا، وهو في أسمى عباداته، وكلُّ عباداته سامية، ولايفتأ ينصح من حوله ومن ابتعد عنه، حتّى تبلغ مواعظه أعداءه وقتلته، يرجو لهم النجاة ممّا دفعتهم إليه أنفسهم الطامعة في حطام الدنيا التافه الزائل، فأقدمت على قتل ولي الله، لتنتظر بعد ذلك أفظع الخزي وأبشع العذاب!

مع ذلك، فقد التمس الحسين معذرةً إلى الله تعالى في نصحهم، حتّى كادوا أن يظنّوا أنّه يطلب منهم الحياة لنفسه، بينما كان سلام الله عليه يطلب الحياة لهم بهدايتهم، وإخراجهم من طاعة الطُغاة اللئام، إلى طاعة الله تبارك وتعالى، فعاد مرّاتٍ وكرّاتٍ يقدّم لهم أغلى النصائح وأبلغ المواعظ يريد نجاتهم، بل فوزهم بمرضاة الله تعالى، ويحرص على إنقاذهم، غيوراً على دينه وعلى حياة الناس وآخرتهم، فأبوا، وأصرّوا، واستكبروا استكباراً عنيداً، وهو يقدّم لهم الأدلّة والبراهين والحجج لإخراجهم من ظلمات الضّلال إلى أنوار الهدى، فأجابوه برسل القتال.. هكذا أخطأوا حظّهم:

لم أنسه إذ قام فيهم خاطباً

فإذا هم لايملكون خطابا

يدعو: ألست أنا ابن بنت نبيكم

وملاذكم إن صرف دهرٍ نابا؟!

أم لم يوصّ بنا النبي وأودع

الثّقلين فيكم: عترةً وكتابا؟!

فغدوا حيارى لايرون لوعظه

إلّا الأسنّة والسّهام جوابا!


ويبلغ الهدى الحسيني في بياناته السامية أن يستوقف الأعداء قبيل النزال يوم عاشوراء، فيصدع صوت أبي عبدالله في ساحة الطفّ: "أيها الناس اسمعوا قولي، ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقٌّ لكم عليّ، وحتّى أعتذر إليكم من مقدمي هذا وأعذر فيكم"، ثمّ قال لهم: "لاتغرنكم هذه الدنيا؛ فإنّها تقطع رجاء من ركن اليها، وتخيب طمع من طمع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحلّ بكم نقمته، وجنّبكم رحمته".
 

وبلغت مواعظه الرحيمة الحكيمة أسماعهم، في بياناتٍ هادية موقظة، وحجج تنبّه العقول الغافلة، وعباراتٍ نبويةٍ مذكرة، فأعلمهم إن كانوا جاهلين.. أو متجاهلين، ووخزهم إن كانوا غافلين.. أو متغافلين، وذكرهم إن كانوا ناسين.. أو متناسين، لكنّهم تناكروا وأصرّوا وتمادوا، حتّى كان لابدّ من السيف حاكماً، إذ شهر من العدوّ متجاوزاً معتدياً على القداسة النبوية في سبط رسول الله وريحانته، ومن الحسين منه وهو من الحسين.

فشهر الآخر في يد سيد شباب أهل الجنّة في عزّةٍ وإباءٍ وشهامة، لتكون الملحمة العاشورائية الدامية، تحكي على مدى الأجيال قصّة غلبة أنوار الهداية على ظلمات الضّلالة، وقصّة الانتصار الحسينيّ على مدى العصور وهو يهدي القلوب إلى الحقّ والفضيلة، ويقمع الباطل والرذيلة، ويجذب الأرواح نحو ولاءِ أهل البيت الكرام، عليهم أفضل الصلاة والسّلام.

ولكنّ ذلك لم يكن ليفيض ببركاته إلّا بالدماء الحسينية الزاكية، والفجائع الزينبية القاسية، والأحزان السجّادية الغالية.. والتي بلغت خاتم الأوصياء المهديّ الموعود، فبثّها كلمات حانية، سميّت بزيارة الناحية المقدّسة، حيث خاطب فيها جدّه الحسين كئيباً: "وصدعت بالحقّ والبينة، ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة… وواجهوك بالظّلم والعدوان، فجاهدتهم بعد الإيعاذ إليهم، وتأكيد الحجّة عليهم… وناجزوك القتال، وعاجلوك النّزال، ورشقوك بالسّهام والنّبال…".
 

مستمعينا الأفاضل، وتستمر روح الهداية الحسينية تعطي ثمارها المباركة في حين مخيبةً آمال الذين أرادوا بقتل سيد الشهداء يوم عاشوراء اطفاء نور هدايته الإلهية..

ومن المصاديق المعاصرة لهذه الحقيقة الحكاية التي إخترناها لهذا اللقاء وقد نقلها حجة الإسلام والمسلمين السيد نعمة الله الحسيني في الجزء الثاني من كتابه التربوي(رجال العلم في ميدان العمل) وهو يتحدث عن بركات المنبر الحسيني.. .


قال: حكى أحد خطباء المنبر الحسيني قائلاً: كنت مع عدد من زملائي الخطباء في سيارة إستأجرناها للسفر، وفي الطريق مازح أحدنا سائق السيارة بكلامٍ إنجر الى ما لايليق، فتداركت الموقف بالإعتذار من السائق تطييباً لخاطره، فإلتفت إليّ وقال بكل إحترامٍ وتواضع: لم يصدر منكم يا سماحة الشيخ ما يستوجب الإعتذار، وحتى لو صدر فإن لكم علي حق الحياة إذ بسببكم هداني الله الى الحق، وعليّ أن اشكركم..


تعجبت من قوله وسألته: وكيف هداك الله بسببنا نحن خطباء المنبر الحسيني؟ فحكى الرجل قصته المؤثرة
قال السائق: كنت في بداية شبابي منحرفاً أشد الانحراف عن جادة التقوى والفضيلة بسبب المحيط الفاسد الذي كنت أعيش فيه وأصدقاء السوء الذين كانوا يصحبونني..


وذات مرة أنبتني نفسي اللوامة على ما كنت إقترفه من ذنوب، أثارها لذلك رؤيتي لمجلس عزاءٍ حسيني مررت عليه.. فعاتبت نفسي على إنحرافها وقررت الدخول الى المجلس طلباً للمغفرة.. عندما دخلت سمعت الخطيب الحسيني يفسر بعض الآيات الكريمة ويتلو بعض الأحاديث الشريفة فأنارت هذه الآيات والأحاديث قلبي ولكن القرار الحاسم إتخذته بعد أن إستمعت لمصاب قمر بني هاشم أبي الفضل العباس،عليه السلام، الذي أخذ الخطيب بنقله وهو يتحدث عن عظيم مواساته للإمام الحسين، عليه السلام،
ويتابع هذا السائق المهتدي حكايته قائلاً:
بكيت بكاءً شديداً عندما وصل الخطيب الى نقل ما إرتجز به أبو الفضل العباس، عليه السلام، عندما قطعوا يمينه حيث قال:

والله ان قطعتموا يميني

إني أحامي أبداً عن ديني


وهنا قلت في نفسي بلوعة: ويحك كيف تدعي حب أبي الفضل العباس وأنت تهتك حرمة الدين بأفعالك ومعاصيك في حين أن أبا الفضل، عليه السلام، قد ضحى بنفسه وقدّم يديه لحفظ الدين وحرمته.. .
لقد هزني الموقف بقوة وايقظني من غفلتي فندمت على ما سلف مني وقررت أن أبدأ بأصلاح نفسي فإهتديت للتوبه وسرت في طريق التقوى والفضيلة… ثم تحسنت حالتي وتخلصت من شقوتي وكآبتي والحمد لله
رب العالمين.. ولذلك بقيت أشعر بأنني مدينٌ لمنبر الحسين، عليه السلام، وخطبائه
نشكر لكم مستمعينا الأكارم طيب الإستماع لهذه الحلقة من برنامج بالحسين إهتديت إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة