ومما يحيِّر العقول هو الإندفاع العفوي لإحياء هذه الشعيرة من قبل محبي أهل البيت من كافة الطوائف الاسلامية، بل تتعدى ذلك الى بقية الطوائف من غير المسلمين.
فمتى بدأت هذه الشعيرة المقدسة؟ ومن الذي وضع حجر الاساس لها؟ وكيف أكتسبت هذه القدسية؟ وما هي دلالاتها؟ وما هي معطياتها؟
أما بدايتها ... فتاريخ زيارة الاربعين الحسيني يعود الى سنة 61 للهجرة النبوية الشريفة وهي سنة واقعة الطف التي أستشهد فيها الامام الحسين ـ عليه السَّلام ـ مع خيرة أهل بيته وأصحابه على يد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي.
وأول من قام بها الامام علي بن الحسين السجاد ـ عليه السَّلام ـ وزينب بنت الامام علي ـ عليهما السَّلام ـ ومن معهم من سبايا آل محمد عند عودتهم من السبي الذي مورس عليهم من قبل الطاغية يزيد بن معاوية.
حيث ألتقى ركب الإمام السجاد ـ عليه السَّلام ـ مع ركب الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري عند المرقد الطاهر لسيد الشهداء وسبط الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ومراقد شهداء الطف ـ رضوان الله عليهم.
وهنا أقام الإمام السجاد ـ عليه السَّلام ـ مأتماً على والده الحسين ـ عليه السَّلام ـ والشهداء من أهل بيته وأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ومنذ ذلك اليوم والمسلمون من محبي أهل بيت النبوة مستمرون على إحياء هذه الشعيرة المقدسة.
فهذه الشعيرة ترتبط بالمقدس وهو الامام المعصوم سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة وسبط الرسول الاكرم محمد بن عبد الله ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وأول من مارسها وقام بها ووضع آدابها هو الامام المعصوم علي بن الحسين ـ عليهما السَّلام ـ ومن هنا جاءت قدسية زيارة الأربعين الحسيني.
ولإحياء ذكرى الأربعين الحسيني من قبل المسلمين عدة دلالات منها الوفاء للرسول محمد بن عبد الله ولأهل بيت النبوة ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لما قدموه للإسلام من تضحيات كانت العامل الإساسي في الحفاظ على أصالة الرسالة وصيانتها ووصولها الى المسلمين دون تحريف.
كذلك من دلالات زيارة الأربعين الحسيني، السمة الحضارية التي يتسم بها نهج وخط أهل البيت الذي يحترم ويقدس عظماءه ويتخذهم نبراساً وقدوة في حياة الأمة، للسمو بها عالياً من أجل تحقيق الأهداف السماوية التي أرادها الله سبحانه وتعالى.
وأيضاً من دلالات إحياء ذكرى الأربعين الحسيني تجسيد مبدأ مقاومة الظلم والطغيان ومواجهة الطاغوت في أي زمان ومكان فـ "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"... وشعار "هيهات منا الذلة" هو الشعار الحسيني الذي أرهب وما يزال يرهب الطغاة والظالمين.
فهذه الشعارات التي يقوم بها أتباع أهل البيت وعشاق الحرية من جميع بني البشر بتجديد العهد مع الحسين ـ عليه السَّلام ـ في كل عام لها دلالات عظيمة تدخل الرعب في نفوس أعداء الله وأعداء رسوله.
كما أن لإحياء ذكرى الأربعين الحسيني معطيات كثيرة سواء على صعيد الفرد أو على صعيد الأمة فعلى صعيد الفرد تساعد في بلورة الشخصية الإسلامية والإنسانية التواقة لنيل الحرية والتي تجسد القيم الإنسانية بكل صورها من خلال إستذكار المواقف الحسينية التي تلخصت خلال سويعات في واقعة الطف الأليمة.
واذكر ما قاله المفكر الاسلامي المرحوم الشيخ محمد مهدي الآصفي حول ثورة الامام الحسين ـ عليه السَّلام ـ حيث قال: "إن ثورة الامام الحسين ـ عليه السَّلام ـ هي عصارة تاريخ الإنسانية".
إذن عندما تحيي مقطع من مقاطع الثورة الحسينية فإنك تقف أمام كم هائل من التراث الإنساني الذي يحيي في النفوس القيم الإنسانية والمفاهيم الربانية التي ترفع من شخصيتك الى أسمى المقامات فيما إذا لو حصل التفاعل الصادق معها.
ومن هنا تجد إنعكاسات هذه الحالة الفريدة من نوعها على سلوك الزائر الحسيني، فتجد عنده التواضع والوفاء والصدق والبراءة والتعاون والمحبة والإنسجام والتضحية والسخاء والكرم ... وكل ما يخطر في بالك من القيم التي تحلم البشرية في تحقيقها.
ومن معطياتها على صعيد الامة فإن إحترامها وإعتزازها بتراثها العقائدي وإحياءها لقيم الحرية في نفوس ابناءها من خلال استذكار نهج العظماء من قادتها الربانيين كالحسين ـ عليه السَّلام ـ فهي جديرة بالإحترام من قبل العالم، لأنها تمثل الامة الرصينة القوية المتراصة
فاللوحة التي ترسمها لنا زيارة الأربعين الحسيني لا مثيل لها في العالم إلا في أيام الحج الأكبر عند بيت الله الحرام.
فكل هذا العطاء هو من ثمار ذلك الدم الطاهر الذي سفك يوم عاشوراء على أرض كريلاء على يد أشقى الأشقياء، وهو تراث للإنسانية جمعاء.
جابر كرعاوي // لموقع إذاعة طهران العربية