نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "لا قوة كرد الغضب".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة تشبيهية واقعية تجريبية، قبالة الصورة التخيلية او المعدولة او الانزياحية و(كما يصطلح الحداثيون على الصورة المجازية)، المهم: مادام التخيل او المجاز أو الانزياح الخ، يتسم بكونه اداة تعميق للحقيقة فان التعبير الحقيقي اذا كان مقترناً بأداة تشبيهية مماثلة اي: حقيقية ايضاً عندئذ فان النتيجة تظل متماثلة اي: تسهم الصورة في تعميق وتوضيح الظاهرة المبحوث عنها، هنا: الظاهرة هي: الغضب، والغضب تعبير انفعالي حاد، وقد صوره الامام علي عليه السلام في بعض احاديثه، بأنه (ضرب من الجنون) وهذا النمط من الانفعال الحاد يتميز بكونه في الغالب رد فعل غير سوي، اي: يستتبع صدور افعال او اقوال غير متزنة وغير خاضعة لسيطرة العقل الا في حالة الغضب لله تعالى، ولكن حتى في الحالة الاخيرة فان الغضب يتسم بالرصانة لا عكس ذلك، المهم مادمنا قد حدثناك عن الغضب دلالياً نتجه بعدها الى الحديث جمالياً أو بلاغياً، فماذا نستلهم من النص المتقدم؟.
بلاغة الحديث
من البين ان الصورة الفنية تتألف من طرفين أحدهما يخلع عليه ماي تسم بطابع لا علاقة له بالاخر: كما لو خلع على القناعة وهي حالة نفسية طابعاً مادياً هو الكنز في قوله عليه السلام (القناعة كنز لاينفذ)، حيث لا علاقة واقعية بينهما بل علاقة تخيلية، ولكنها هي عين الحقيقة في الآن ذاته، وبالنسبة الى الصورة الواقعية فان طرفيها هما: (القوة) و(ورد الغضب) حيث خلع الامام الباقر عليه السلام طابع القوة سواء اكانت بدنية أو نفسية على رد الغضب سواء اكان الغضب يستتبع عدواناً بدنياً، او عدوانياً لفظياً، والمهم هو ملاحظة الصياغة البلاغية لهذه الصورة، فماذا نستلهم؟ المقصود من عبارة (رد الغضب) هو: الحلم او الاناة أو السيطرة على الغضب الخ، ومن الواضح، ان السيطرة على الغضب هي: طاقة نفسية تتطلب شجاعة وقوة بدورها اذ لا تنحصر الشجاعة او القوة في الحاق الاذى بطرف آخر بل تتمثل بشكل اقوى في العفو والتسامح والصفح والسيطرة على الغضب اي: على قوة الغضب، كما لو يعفو السيد مثلاً عن العبد او القوي عن الضعيف او الحاكم عن المحكوم وهكذا، اذن: التشبيه الذي قدمه الامام الباقر عليه السلام بان (القوة) ليست من الغضب بل في رد الغضب اي كبته وعدم اظهاره، كما هو واضح.
ليس هذا فحسب بل ان البعد البلاغي في النص المتقدم يتبلور بشكل اوضح حينما يجعل الامام عليه السلام القوة في رد الغضب اي: ان رد الغضب اقوى من الغضب وهذا منتهى التعبير الجمالي عن الموضوع.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن لايغضب الا من اجله تعالى مع مراعاة الحد السوي في ذلك، كما نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.