نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "اعتصموا بالذمم في اوتادها".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة رمزية، حيث اعتمد على مصطلح (الاوتاد) ليرمز به الى دلالة غائبة هي: الثبات او اليقين بالشئ، كما يجسد الحديث صورة استعارية، حيث اعتمد مصطلح (اعتصموا) ليشير به الى معنى (الاعتماد) او (المنعة) حيث تقف مانعاً من وصول الضرر الى الشئ، وفي الحالتين فان الصورة (الاستعارية– الرمزية) تظل من حيث الدلالة تعني: على الانسان الا يعقد العهود او المواثيق الا مع من يثق به في الوفاء بها حتى لايصيبه الضرر، هذه الدلالة يصوغها الامام علي عليه السلام من خلال صورة فنية أوضحنا رمزها واشارتها الدلالية وهذا ما نبدأ بتفصيل الحديث عنه.
قلنا: الاعتصام هو: التمسك او الالتزام للشئ: كمن يتمسك بالحبل مثلاً أو بأية وسيلة تحجزه من الوقوع في ما يحذر منه، وقلنا: ان (الاوتاد) هي الشئ الذي يتسم بالثبات والمنعة والقوة لذلك سميت الجبال اوتاداً في قوله تعالى: "وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً" وفي ضوء هذه الدلالات: ماذا نستلهم من عبارة الامام عليه السلام؟ الدلالة المستخلصة هي: ان يكون الانسان حريصاً على ان تكون عهوده او مواثيقه مع الاخر: ذات اساس قوي حتى لا يخسر الصفقة، والسؤال البلاغي والجمالي او الفني هو: ما هي النكات الكامنة وراء الاستعارة والرمز المذكورين (الاعتصام والاوتاد)؟.
بلاغة الحديث
من البين ان (الوتد) مادام يجسد اداة (ثابتة) تعزز في الحائط مثلاً أو عمق الارض: كأعمدة الخيمة مثلاً: حينئذ فان الهواء الشديد مثلاً ونحوه: سوف لن يقتلع الوتد أو الحبل ممن يحاول قلعه من الحائط، واذا كان الامر كذلك فان الشخصية حينما تقيم عقداً او عهداً او ميثاقا مع الاخر: ينبغي ان تطمئن الى ان هذا الطرف ثقة يعتمد عليه في الوفاء بالعقود، والنكتة الفنية هي: اولاً: قد انتخب الامام عليه السلام (الاوتاد) دون سواها بصفة انها تنغرز في الارض او الحائط بحيث يصعب سقوطها وهذا ما يتناسب مع طبيعة العقود حيث يمكن لغير الثقة ان ينكر العهد أو يتلاعب به ولكن اذا كان ثقة: حينئذ لا نتوقع انكاره أو تلاعبه بالعقد.
اما من جهة العبارة (اعتصموا بالذمم)، فان استعارتها الجميلة تتمثل في ان الاعتصام هو (التمسك)، ولا نعتقد ان حركة ما تفصح عن الاطمئنان اكثر من مسكك الشئ بيدك حيث تحرص على عدم انفلات يدك عنه، وهذا ما يتجانس والاطمئنان الى ثبات الحبل أو العمود.
اذن: امكننا ان نتبين بوضوح جمالية النص المتقدم، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.