نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "التجرم: وجه القطيعة".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة (تمثيلية) او (استعارية) او صورة مزدوجة تتضمن صورتين متداخلتين احداهما: استعارية وهي وجه القطيعة والاخرى تمثيلية وهي مجموعة العبارتين (التجرم: وجه القطيعة) والاهمية البلاغية لهذه الصورة تتمثل على نحو مان وضحه الان.
(التجرم) يعني من الواجهة اللغوية: اتهامك طرفاً اخر بتهمة ما، لذلك جعل الامام عليه السلام هذا النمط من السلوك مفضياً الى القطيعة بين الطرفين وهي (القطيعة): من ابرز السلوك السلبي الذي ينهى المشرع الاسلامي عنه، ان النصوص الشرعية تحرص كما هو نلاحظ بوضوح على تعميق وتوثيق الروابط بين الاطراف: بدءً من المطالبة بالسلام، والمصافحة والبشاشة ولين الكلام والصفح والتواصل..الخ، وانتهاءً بالذهاب الى الظالم مثلاً والاعتذار اليه بانه مظلوم حتى لا تحدث القطيعة بين المؤمنين، في ضوء هذا الحرص على تمتين العلاقة الذاهبة الى درجة التشبيه بين الاطراف بان (المؤمنين اخوة)، وهكذا، والان: نجد ان الامام عليه السلام يناشدنا بألا نسلك سلوكاً مفضياً الى القطيعة بين الاطراف وذلك بعدم توجيه التهمة الى الاخر حتى لو كان على حق، ويعنينا الان ملاحظة هذه العبارة (التجرم: وجه القطيعة)، فماذا نستلهم من صياغتها جمالياً او بلاغياً؟.
بلاغة الحديث
قلنا: التجرم هو: التهمة حيال طرف اخر، وقد استخدم الامام عليه السلام مصطلح (التجرم) ولم يقل (التجريم) لان التجرم هو: القاء التهمة دون التأكيد من صحتها اي: لمجرد وجود الهاجس حيث يتضمن هذا الهاجس بعداً عدوانيا أو كراهية لاتتناسب مع التوصيات النادبة الى المحبة بدلا من الكراهية.. الخ، والسؤال الان: ما هي النكات البلاغية في صياغة هذا النمط من السلوك بانه (وجه) للقطيعة اي: ما هي النكتة البلاغية في استخدام كلمة وجه دون سواها؟.
الجواب: ان (الوجه) هو: العضو البارز في شخصية الانسان، اي: العضو الذي يبرز هوية الشخص، وألا فان الاعضاء الاخرى من الصدر والظهر، واليد والرجل الخ، لاتشخيص فيها للهوية، لذلك استخدم الامام عليه السلام (الوجه) ليوضح بذلك ان القطيعة تتجسد من خلال (التهمة) التي تكون بمثابة طريق يفضي الى ردم العلاقة بين الطرفين وهي: القطيعة بين المؤمن واخيه، فكما ان (الوجه) هو الذي يشخص هوية الشخص: كذلك التجرم او التهمة: هي التي تشخص حدوث القطيعة الفعلية: بصفة ان الاتهام اسلوب عدواني يفضي بالضرورة الى احداث القطيعة، وهي مما لا يرضى به التصور الاسلامي للسلوك.
اذن: امكننا ان نتبين النكات البلاغية لعبارة التجرم: (وجه القطيعة)، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن (نتواصل) اخوياً بدلاً من القطيعة، وان يوفقنا تعالى لممارسة الطاعة انه سميع مجيب.