نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "اهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام ".
دلالة الحديث
هذا الحديث يجسد صورة فنية هي (التشبيه)، حيث يتضمن الحديث تعريفاً بأهل الدنيا اي: الاشخاص الذين غفلوا عن معرفة وظيفتهم في الحياة الدنيا، وانصاعوا الى اشباع حاجاتهم دون الالتفات الى ما بعد الحياة وما ينتظرهم من المصائر، وجاء التقرير لهذه الظاهرة من خلال تشبيه هؤلاء بأناس نيام وقد ساروا في ركب لا يعون ماذا ينتهون اليه بسبب كونهم نياماً، والمهم الان هو: ملاحظة هذا التشبيه وما ينطوي عليه من النكات البلاغية، وهذا ما نبدأ به الان.
بلاغة الحديث
ان الركب هو ما يجسد سفر جماعة في قافلة من الابل او الخيل، يقصدون مكانا في سفرهم اليه، ومن البين ان القافلة عندما تسير فانها منذ البداية تعرف مبدأ سيرها ونهايته، كمن يبدأ من مسقط رأسه مثلاً قاصداً الحج، او التجارة، في ظاهرة (السفر) يكون المسافر عارفاً اولاً من اين مبدأ سفره، وما هي معالم الطريق، ثم: المكان الذي يصل اليه، بيد ان المسافر لو كان نائماً مثلاً: حينئذ سوف يجهل معالم الطريق، ويجهل مكان وصوله أو مقصده: ومن ثم لايدري الى اين ينتهي السفر به، هذه الحالة استثمرها الامام عليه السلام وقارنها بأهل الدنيا، اي: الاشخاص الذين لايعون وظيفتهم العبادية او الخلافية التي خلق الله تعالى الانسان من اجل ممارستها تبعاً لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، بل يعيشون بلا وعي او يعيشون غافلين عن معرفة وظائفهم، لايلتفتون الى سر خلقهم، وسر الدنيا، وسر الاخرة التي يخلدون فيها. من هنا شبههم الامام عليه السلام بالنائمين الذين يسار بهم في الركب دون ان يعرفوا من اين والى اين مصائرهم، اذن: هذا التشبيه يضطلع بتوضيح هذا النمط من الغافلين، وهو امر يتطلب القاء الاضاءة عليه.
ان هذه الصورة التشبيهية تظل من الاثارة بمكان كبير، انها اولاً تشبه اهل الدنيا الغافلين عن سر وجودهم ومصائرهم بالركب، اي القافلة، والقافلة عادة تبدأ من مكان وتقصد مكاناً ما، وتقطع طريقاً ما، ولكن اذا كان المسافر في القافلة نائماً حينئذ لايعرف معالم الطريق الذي سلكه، ولا المكان الذي سيصل اليه، وهذا تماماً يشبه اهل الدنيا، فهم يجهلون بان الله تعالى خلقهم من اجل الممارسة العبادية او الخلافية، ويجهلون ان الدنيا دار ممر لا مقر، ويجهلون ان الاخرة هي الدار الخالدة، وان مصائرهم تتوقف على مدى نجاحهم او اخفاقهم في الامتحان او الاختبار الذي يتعرضون له، انهم (غافلون) والنوم هو الرمز الفائق في رسم التغافل عن ادراك المهمة العبادية، والنكتة الاهم هي: ان النائم يستيقظ في نهاية المطاف واذا به يواجه مصيراً لم يفكر به، انه جهنم وبئس المصير.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يعون وظيفتهم العبادية وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.