نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "اذا كان الرفق خرقاً، كان الخرق رتقاً".
دلالة الحديث
الكلام المتقدم يحفل ببلاغة فائقة ودلالة فخمة، انه يتحدث عن اللين والشدة في التعامل مع الاخر اي: انه يستهدف الاشارة الى ان بعض السياقات تتطلب شدة، وبعضها يتطلب ليناً، وعلى الشخصية المكلفة بالتعامل مع الاخرين: كالمسؤول مثلاً أو الراعي أو الاستاذ أو المربي أو المصلح: ان يتعامل باللين (وهذا هو الاصل) ولكن ثمة سياقات تتطلب عكس ذلك، حيث تتعين الشدة لانها وسيلة من وسائل (الضبط الاجتماعي)، اي: تعديل السلوك، بينما العكس يصبح عديم الفائدة: كما لو استغل المنحرفون لين المسؤول، وبذلك يكثر حجم انحرافهم، هذه الحقيقة يصوغها الامام عليه السلام في عبارة بلاغية تعتمد (التضاد) او التقابل وهو احد المباديء البلاغية، كما هو واضح.
بلاغة الحديث
والان: الى بلاغة الحديث المتقدم، فماذا نجد؟ يقول النص: "اذا كان الرفق خرقاً" "كان الخرق رتقاً"، نحن الان امام تضاد وتقابل وتجانس وتكرار دلالي وايقاعي، وكلها ادوات بلاغية لها جماليتها، التضاد هنا هو: الرفق والخرق اي: اللين والشدة ثم التقابل بين اداة الشرط (اذا كان الرفق) وجوابها (كان الخرق)، ثم: التجانس هو: ما يحدث من الضدين: من التجانس، اي: عندما يكون اللين شدة والشدة ليناً: حينئذ متجانسان في نتيجتهما، ثم التكرار حيث تتكرر العبارات (كان) و(الخرق و(الرفق)، وهو تكرار دلالي، وكذلك تكرار ايقاعي حيث تتجانس الكلمتان (الرفق) و(الخرق) في فاصلتهما و(حرف القاف) بالاضافة الى تجانسهما تركيبياً (حيث يتألف كل واحد منهما من ثلاثة حروف)، اذن: لاحظنا الادوات الجمالية المشار اليها؟.
والان: الى جمالية الدلالة، فماذا نجد؟ تتمثل جمالية الدلالة في ظاهرة (التقديم واالتاخير) اولاً حيث افترض الحديث منذ البداية بان اللين وهو التعامل الشديد وليس اللين مع الاخر، اي: افترض انك تتعامل مع تلميذ أو ولد أو موظف بلين، واذا بهذا التعامل يتحول الى نتيجة عكسية: حيث يستثمر الاخر هذا اللين فيطغى، عندئذ: سوف تتعامل معه بالشدة، وهنا تتحول الشدة الى لين، الى رفق، الى رعاية، كيف ذلك؟.
مثلاً: اذا كان التلميذ او الولد أو الموظف لا يمارسون وظائفهم بالنحو المطلوب الا اذا تعاملت بشدة مع هذه الاطراف، عندئذ يصبح التعامل الحاد او التلويح بعقابهم: هو النتيجة الطيبة اي: يتعدل سلوكهم وهو المطلوب.
اذن: ادركنا دلالياً وجمالياً مدى الثراء الذي تحمله العبارات المتقدمة سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.