نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "احضروا آذان قلوبكم: تفهموا ".
دلالة الحديث
النص المتقدم استعارة جميلة تخلع على القلب صفة جارحة اخرى هي: الأذن، ولعلك تتذكر باننا في لقاءات سابقة المحنا الى احد مبادئ البلاغة الحديثة، وهو: مبدأ (تبادل الحواس) اي خلع طابع خاص بهذه الحاسة على حاسة اخرى من نحو قولنا مثلاً: صوت الرائحة، ورائحة الصوت، ولون النغم، ونغم اللون وهكذا، ومع ان هذا المبدأ انتشر منذ القرن التاسع عشر في اوربا، الا انه يمثل سمة لها اهميتها وطرافتها وعمقها في ميدان العبارة الفنية، وما اجمل ما نلاحظه في النصوص الشرعية: قرآناً أو احاديث المعصومين عليهم السلام من استخدام هذا النمط التعبيري مثل قوله تعالى: "تَعْمَى الْقُلُوبُ" ونحو ذلك، المهم: ان الامام علياً قد استخدم بدوره هذا النمط من التعبير في النص الذي نلاحظه الان الا وهو: "احضروا آذان قلوبكم: تفهموا" حيث يحفل بجملة نكات بلاغية يجدر بنا متابعتها الان.
في البدء ينبغي لفت نظرك الى الفائدة المترتبة على تبادل الحواس وهي: بما ان الحواس تعمل في جهاز واحد، فان اضفاء حاسة ما على اخرى يفسر لنا عملية التبادل بينهما من حيث اثر احدهما على الاخرى، ففي المثال الذي لاحظناه، عند الامام علي عليه السلام نجد ان الفهم او الادراك لا ينحصر في حاسة او جهاز او آلة واحدة بل يتجاوز ذلك الى جملة ادوات مثل: السمع والبصر حيث ان كلاهما يجسد جهازاً ادراكياً، فانت حينما تقرأ كتاباً في موضوع خاص يمكنك ان تسمعه في جهاز اخر هو: المذياع مثلاً بل انك حتى في ميدان القراءة وحدها او الاستماع وحده يمكنك ان تستخدم كلا من السمع ومن البصر في ادراك الموضوع، كما لو قرأت بصوت عالٍ مثلاً، او استمعت الى قارئ للقرآن الكريم وانت تنظر الى المصحف الشريف وهكذا.
اذن: التبادل بين حاستين هما: السمع والبصر تتضح فاعليته من خلال الامثلة التي استشهدنا بها الان، وفي ضوء ذلك نتجه الى حديث الامام علي عليه السلام فماذا نلاحظ؟.
لنقرأ النص "احضروا آذان قلوبكم: تفهموا"، فهنا خلع الامام عليه السلام طابع الأذن على القلب وهو تبادل لجهازين هما: الاذن والقلب، اما القلب فهو كالجهاز الادراكي العقلي يضطلع بادراك الموضوع ومن ثم فان الاستماع الى الموضوع المطروح ولنفرض انه: الموعظة الاخلاقية حينئذ فان التواضع أو البشاشة أو حسن الخلق بعامة يمكنك ان تدركه من خلال الاستماع الى المحاضر كما يمكنك ادراكه بواسطة اللغة المكتوبة ولكن في الحالين فانت تسمع ما تقرأ وتقرأ ما تسمع أو تدرك مات قرأ وتسمع، والنتيجة هي: ان (القلب) وهو الجهاز الادراكي الاكثر فاعلية وجدانية في فهم الامور حينما تخلع طابع (الاذن) او (الاستماع) اليه، تكون بذلك قد عمقت فهمك للموضوع الاخلاقي بالنحو الذي اوضحناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يحضر اذن قلبه ليفهم ما يقرره الامام عليه السلام، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.