نص الحديث
قال الامام الصادق عليه السلام: "لا يزال العز قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر اهلها اليأس مما في ايدي الناس، فيوطنها".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم بمثابة حكاية أو أقصوصة قصيرة، قد أعتمدت الاستعارة شكلا فنيا لها، ويمكننا من حيث الدلالة أن نشير الى ان الفكرة في الحديث هي: ان الشخصية الاسلامية اذا ارادت ان تحتفظ بالعز وبالكرامة وبالاحترام والتقدير، فعليها ان تيأس عما في أيدي الناس، وتتوكل على الله فحسب. هذا الموضوع او الهدف او الدلالة هي المقصود من التعبير البلاغي المذكور، حيث قلنا: ان الامام الصادق عليه السلام، قد اعتمد شكلين بلاغيين هما: الحكاية او الاقصوصة القصيرة في صياغته للمعنى المتقدم بالاضافة الى الاستعارة. ونحسبك ستتسائل عن القاء الاضاءة على هذين الاسلوبين: الحكائي والاستعاري، واليك الاجابة.
بلاغة الحديث
اما الحكاية او الاقصوصة القصيرة (اذا صح التعبير) بصفة ان الاقصوصة هي قصة أقل حجما من القصة القصيرة، وهذا ماي تمثل في الحكاية ويتمثل هذا الشكل البلاغي او الفني في سرد لحادث او موقف يتسم بكونه عابرا وسريعا وبسيطا، وهذا ما نجده في اصطناع الامام عليه السلام لحكاية عن العز تتمثل في كونه شخصاً يحيا القلق والتوتر باحثاً عن مكان يقطنه، واذا به يجد ذلك في محل قد استشعر اهلها اليأس مما في ايدي الناس فسكن في ذلك المكان.
هذه الحكاية المصطنعة ذاتها تعد من زاوية فنية فقرة استعارية اي تعتمد الاستعارة شكلاً فنياً في التعبير عن الحقيقة المذكورة وهي: ان عز الشخصية يتحقق من خلال عدم الاعتماد على الاخرين في اشباع حاجاتها بل بالاعتماد علي الله تعالى فحسب، هنا في هذه الاستعارة جانبان احدهما: الاستعارة ذاتها (وهي تعبير حاضر) والاخر هو تعبير (محذوف) او (غائب) يتمثل في استخلاص قارئ الحديث بان المقصود من اليأس عما في ايدي الناس هو: التوكل على الله تعالى، وهذا المعنى لم يرد في الحديث ولكن القارئ للحديث يستخلصه من مناخ النص وهو احد انماط الصياغة البلاغية اي اعتماد (المحذوف) لفظياً استخلاصاً للدلالة.
يبقى ان نحدثك عن الاستعارة ذاتها حيث اكسبت (العز) سمة بشرية متحركة تبحث عن مكان للاستقرار فيه حيث استعارة لها سمة (مكانية) هي الدار وسكناها، ثم رتبت على السكن كون اصحابه قد نفضوا ايديهم مما لدى الناس ثم اكسبت (العز) سمة أخرى هي: التوطن في تلكم الدار، وحين نتأمل هذه الاستعارة القصصية بدقة ندرك مدى فاعليتها في تحديد مفهوم العز بصفة ان السكن رمز للاستقرار، كما ان الدار هي المكان الذي يعزل الشخصية عن الاخرين ويختص بها الساكن فحسب دون ان يشاركه احد، وبذلك حينما يتم التوطن فيها يعني: ان الشخصية ليست بحاجة الى من يسكن في دارها كما هو واضح.
اذن: ادركنا مدى جمالية هذه الاستعارة الحكائية، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن ييأس عما في ايدي الناس، وان يجعلنا متوكلين عليه فحسب وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.