نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "ألا تحمد من تعطيه فانياً، ويعطيك باقياً".
دلالة الحديث
هذا النص يحفل ببلاغة فائقة من حيث دلالته وصياغته، انه يتوكأ على الرمز اولاً وعلى وضوحه ثانياً وعنصر محاورته ثالثاً، وترشحه بدلالات غائبة رابعاً اي السماح لك بملأ فراغاته من خلال تخيلك واسهامك في استخلاص الدلالة بما يتجانس وخلفيتك الثقافية المهم ان نحدثك عن النص المذكور دلالياً.
النص يتحدث عن الدنيا والاخرة، يتحدث عن الدنيا بصفتها دارا مؤقتة، رسم لك الله تعالى مهمة عبادية فيها، تبعا لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، ويتحدث عن الاخرة بصفتها داراً باقية لانفاد لها من حيث الرضوان والنعيم فيها. هذه الدلالة انما يستخلصها قارئ النص أي: النص سمح لك بأن تستخلص هذه الدلالة والا فأن النص لم يشر الى المهمة العبادية، ولا الجزاء الايجابي بصريح العبارات.
اذن: استخلاص الدلالة بهذا النحو يجسد طابعاً بلاغياً له امتاعه لأن قارئ النص عندما يساهم في استخلاص دلالته: انما يحقق له متعة الاكتشاف، كما هو واضح.
ونتجه الى سائر خصائص النص المتقدم، فنجده قد اعتمد الصورة الرمزية، والرمز كما نعرف جميعاً هو: التعبير عن دلالة غائبة من خلال لغة حاضرة واللغة الحاضرة هي النص "الا تحمد من تعطيه فانياً، ويعطيك باقياً"، والدلالة الغائبة هي: استخلاصك الذي اوضحناه قبل قليل وهو: استخلاص الدنيا والاخرة ثم: استخلاص الوظيفة العبادية، ثم الجزاء المترتب عليها. اذن: اتضح هدف النص من خلال الرمز المذكور.
بلاغة الحديث
ومما يزيد جمالية النص هو: صياغته من خلال المحاورة وهي: التساؤل او السؤال الفرضي الموجه الى المخاطب قارئ النص، حيث نعرف بان المحاورة هي اشد اثارة من السرد في سياقات خاصة، بخاصة السياق الذي نحن حياله، حيث يرتبط باداء المهمة عبادياً في سنوات محدودة ومعدودة قبالة حياة أبدية لاحدود لها من رضوان الله تعالى ونعيمه جزاءً لادائنا للمهمة العبادية بنحوها المطلوب.
واهمية التساؤل المتقدم تتجسد بالاضافة الى ما ذكرناه الى انه مشحون بعتاب وأسف ولهفة وحرص على قارئ النص بان يعي ما طلبه تعالى من العبد وان يحمده على ما طلبه منه في سنوات العمر، قبالة ما يمنحه له من عطاءات اخروية خالدة. اذن: الا يستحق التأمل الكبير: مثل هذا التساؤل او المحاورة أو المخاطبة؟.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ادراك المهمة المذكورة وذلك بممارسة الطاعة انه سميع مجيب.