نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: معزياً قوماً عن ميت لهم: "صاحبكم هذا يسافر، مغدّواً في بعض اسفاره، فان قدم عليكم وألا فانتم قدمتم عليه".
دلالة الحديث
لعل الحديث المتقدم يظل من اطرف الاحاديث عمقاً واثارة وعظة، انه يتحدث عن الموت، ويشير الى ان البشرية جميعاً يموتون، سواء اكانوا من هؤلاء القوم الذين عزاهم، أم نفس هذا الميت ام سوى ذلك من البشرية جمعاء، بيد ان الصياغة الجمالية لهذا الموضوع قد اقترنت بما هو مثير، ومدهش، ومليئ بالعظة وبالطرافة، كيف ذلك؟
نلاحظ اولاً ان الامام (عليه السلام) خلع على موت الرجل طابع (السفر) وهذا يجسد استعارة او رمزاً، والطرافة فيه ان (السفر) و(الموت) يشتركان في حقيقة هي (الغياب) او عدم الحضور، بيد ان الفارق بينهما من جانب اخر ان المسافر يرجع عادة، بينما الميت ليس كذلك، وهذا ما يجعل ذهن القارئ للحديث يتداعى الى حقيقة المسافر غير العائد متمثلاً في (الموت)، بيد ان هذه العظة لم تقف عند هذا التصور او التداعي، وانما تتداعى بالذهن الى ما هو اكثر دهشة واثارة وطرافة ألا وهو: ان المسافر اذا لم يرجع، فان الباكين عليه ينتظرهم دور هو: ان يلحقوا به، يموتون بدورهم فيتلاقى الميت الاول مع الاموات الاخرين، وهنا تكمن الطرافة وجمالية الحديث، كيف ذلك؟.
بلاغة الحديث
من الواضح، ان الامام (عليه السلام) جعل انتظار القوم لعودة صاحبهم من السفر امراً لامناص منه، ولكن اية عودة؟ هل يعود حقاً فيراه القوم؟ من الممكن ان يكون ذلك ولكن الامام (عليه السلام) افترض عدم رجوعه، اي: موته، حينئذ فان القوم الذين ينتظرونه لمشاهدته: سوف يشاهدونه حتماً بعد ان يموتوا بدورهم، وهذا هو مكمن الاثارة الفنية.
مرة جديدة نتساءل: ما هي الانطباعات او ردود الفعل او الاستجابة التي يستجيب لها قارئ الحديث؟ انه: بدلاً من التفكير او التأثر بموت قريبهم، سوف يفكر بنفسه، سوف يفكر بيوم مماته، سوف يجعله مفكراً بسلوكه، بمدى ممارسته للطاعة، بمدى ما ينتظره من الحساب اخروياً، وكفى موعظة بذلك.
كم كان الحديث المذكور مقترناً بما هو طريف، ومدهش ومؤثر، وواعظ.. والخ.
سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن لايغفل عن حقيقة الموت، ومن ثم يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.