نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "ينبغي للمؤمن ان يختم على لسانه، كما يختم على ذهبه وفضته".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينتسب الى الصورة التشبيهية التي تعتمد اداة الكاف وغيرها في المقارنة بين ظاهرتين وهما: اللسان والمال المتمثل في الذهب والفضة، ويعنينا اولاً ان نوضح السمة البلاغية للعبارة ثم النتيجة الدلالية المستخلصة منها.
الذهب والفضة بما انهما النقد المتداول زمن صدور النص حينئذ فانهما يرمزان الى الدنيا والدرهم آنئذ، وهما يجسدان فارقا بين القيمة مما يعني ان قارئ الحديث سوف يتساءل قائلاً: لماذا ذكر الامام (ع) كليهما بينما كان بالمقدور ان يكتفي بالذهب مثلاً؟، اذن: لابد من السر البلاغي في الموضوع، هذا اولاً، واما ثانياً: ما هي النكتة الكامنة وراء التشبيه بالمال بالنسبة الى اللسان، ثالثاً: ما المقصود بعملية (الختم) وماهي دلالته؟. والان الى الاجابة عن الاسئلة المتقدمة:
بلاغة الحديث
ان (الختم يعني: وضع حاجز على الشئ بحيث يمنع فتحه، فالفم مثلاً اذا ختم ووضع عليه الحاجز من الشئ: حينئذ لا يمكن فتحه وصدور الكلام منه، واما الختم على المال: فكذلك، حيث اذا ختم عليه حينئذ لامجال لصرفه، والآن: ما هي العلاقة بين الختمين، الجواب: ان الختم يرمز الى حفظ الشئ وعدم استخدامه فالخزن للمال او ختمه يعني: حفظه والافادة منه في وقت الحاجة والا تعرض الانسان للفقر واضطراب حياته المتوقفة على وجود المال ليستهلك به ما يحتاجه، واللسان كذلك: اذا لم يستخدمه الانسان في الخير: كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ، والتعليم وما الى ذلك، حينئذ يخسر وجوده دنيوياً واخروياً وذلك بسبب ما يتركه اللسان من الغيبة والبهتان والعدوان، وما يتركه من استتباع للاذى أو القتل دنيوياً ثم العقاب أخروياً، اولئك جميعاً تترتب على اطلاق اللسان كما هو واضح.
يبقى ان نشير الى السر الكامن وراء التشبيه بالدينار والدرهم، وهذا ما نوضحه الآن. الدينار والدرهم أو الذهب والفضة (كما ورد في الحديث) نقدان متداولان، احدهما عشرة اضعاف الاخر مما يعني: ان الخسار لاحدهما او كليهما يتوافق مع طبيعة الخسار الذي يلحق صاحب اللسان، اي: ان الضرر المترتب على ما يمارسه اللسان من انماط الذنب: يتفاوت من نمط الى اخر، فما تسببه نميمة مثلا أو مزاح عدواني يختلف اثره على الشخصية بصفة ان النميمة قد يترتب عليها قتل للنفس المحرمة بينما المزاح العدواني لايتجاوز الاساءة العادية مثلاً.
اذن: امكننا ان نتبين ولو عابراً ما تضمنه الحديث المذكور من دلالة وبلاغة، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يخزن لسانه، ويوفقه الى الطاعة انه سميع مجيب.