نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "طهروا انفسكم من دنس الشهوات، تدركوا رفيع الدرجات".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم استعارة فائقة، من حيث ربطها "الشهوات" بما هو "وسخ" بصفة ان "الدنس" هو الوسخ، ومن ثم فان التطهير من الدنس، وهو بدوره استعارة من حيث صلة التطهير بالوسخ، وانسحابه على (الانفس)، والمهم الآن هو: ملاحظة ما يعنيه الحديث المتقدم والنكتة البلاغية الكامنة وراء الاستعارة المذكورة.
قبل ان نحدثك عن (الشهوات) وصلتها بالدنس، يتعين علينا ان نشير اولاً الى معنى (الشهوة) وهل هي: مطلق الحاجة غير المشروعة او حتى المشروعة في حالة ما اذا منحها الانسان اشباعا اكثر من المطلوب؟.
الجواب: الشهوة نمطان، احدهما سلبي اساساً: كالتسلط والعدوان والسرقة والكذب والخ يستوي في ذلك ان تكون (حسية) او (معنوية)، واما النمط الاخر من الشهوة فهو: نمطان، احدهما: ايجابي والاخر سلبي، اما الايجابي فمثاله: الشهوة الى الطعام عند الجوع، وهي اي: الحاجة الى الطعام أمر لامناص من الاشباع له والا يتعرض الانسان الى الهلاك، ولكن هذه الشهوة تتحول الى سلب في حالة ما اذا اكل الانسان ما يشتهيه خارج حدود الكفاف. والامر نفسه بالنسبة الى الحاجة الجنسية مثلاً فهي: ايجابية في حالة الاعتدال مع الحياة الزوجية، وسلبية في حالة التجاوز وهكذا، والآن لنتجه الى حديث الامام عليه السلام لملاحظة بلاغته ودلالته.
طبيعياً، المحرم من الشهوات يشمله الحديث المتقدم، وكذلك المباح الزائد عن الحاجة ولذلك ورد ان البطن اذا شبع طغى، وان من أكل وشرب ما يشتهيه يؤول به الى الطغيان وهكذا، والسؤال هو: ماهي الاسرار الكامنة وراء ذلك؟.
الجواب: ان الاشباع غير المشروع لاية حاجة يعني: العدول من النزعة الانسانية الى الشره الحيواني اي: الاهتمام بالذات وحاجاتها الضيقة دون الاحساس او الانطلاق الى خارج الذات والانفتاح على العالم الاخر ممن يجسد الوجود الانساني وهو وجود حبب الله تعالى فيه:الايمان، وكرّه الكفر والفسوق والعصيان فيه: كما نطق بذلك القرآن الكريم.
بلاغة الحديث
اما بلاغياً: فيكفي ان الامام (ع ) يجعل الحاجة غير المشروعة أو الزائد عليها بأنها (دنس) اي: الوسخ، وضرورة التطهير منه بصفة ان الوسخ لو تراكم على الجسد دون تطهيره بالماء، حينئذ يتحول الى نتن وجيفة والخ، كما لا يتحمله الانسان والرائي له ايضاً. يضاف الى ذلك ان التطهير المذكور يفضي الى الحصول على الدرجات العليا عند الله تعالى، بصفة اننا اذا ترفعنا عن حاجة نشتهيها فان الله تعالى يعوضنا عنها اضعاف ذلك من الاشتهاء للخير في النعيم الاخروي.
سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك وان يوفقنا الى الطاعة انه سميع مجيب.