نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "ابن آدم اشبه بالمعيار اما ناقص بجهل او راجح بعلم".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من النصوص البلاغية الملفتة للنظر من حيث تصنيفه للانسان كيف ذلك؟ ان كفتي الميزان في نطاق ما هو مادي اما ان تتماثلا أو ترجح احداهما وتنقص الاخرى. والسؤال اولاً: لماذا من الزاوية البلاغية لم يحدثنا الامام عليه السلام عن تساوي الكفتين بل حدثنا عن الارحج والانقص.
الجواب: لاترديد في ان الانسان من خلال التصور الاسلامي لايشكل موجوداً محايداً بقدر ما يجسد موجوداً خلقه الله تعالى لممارسة الخلافة في الارض اي: الممارسة العبادية تبعاً لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، وفي ضوء هذه الحقيقة نستكشف بان الانسان كائن فعال ينبغي ان يمارس عمله الوظيفي فاذا لم يمارس ذلك فهو خارج عن اطار الانسانية، لكن بما ان الواقع هو: وجود الانسان الفعال بشكل او بآخر اي: الانسان الواعي بمبادئ السماء قبالة المنعزل عنها، حينئذ فان التقسيم الثنائي المتمثل في مصطلحي (العلم) و(الجهل) يظل فارضا فاعليته في هذا الميدان. اذن نتساءل: هل ان المقصود بان الانسان عالم أو جاهل؟ في تصورنا ان التعبير البلاغي يتجاوز هذا السؤال ليصوغه بنحو آخر هو علي النحو الآتي:
بلاغة الحديث
الانسان نمطان، الا ان احدهما واع بوظيفته العبادية والاخر جاهل بها، اي: اما ان يكون الانسان عالماً او جاهلاً الا ان ترجيح احدهما على الاخر يتأتى من ادراكه لوظيفته العبادية قبالة من لايدرك وظيفته ويدخل ضمن ذلك غير الملتزم بها. اذن: النكتة البلاغية هي: ان الامام علياً عليه السلام الغى النمط الثالث من بني آدم وهو المحايد حيث لاحياد في المسألة فأما العالم وأما الجاهل. صحيح ان الفاسق مثلا يختلف عن الكافر، الا ان الفسق هو: نقص في الايمان، ولذلك يعد (جهلاً). وقد ورد من النصوص الشرعية ما يشير الى ان المذنب حينما يرتكب ذنبه جاهل بذلك، وهذا ما يعزز ذهابنا الى ان بلاغة الامام (ع) في تصنيفه الثنائي للناس ينطوي على النكتة البلاغية المذكورة.
يضاف الى ماتقدم ان الامام (ع) نفسه ذكر في احد نصوصه ما مضمونه ان الله تعالى ركب في الانسان عقلاً بلا شهوة وفي الحيوان شهوة بلا عقل، فاذا استخدم عقله فهو افضل من الملائكة، وفي حالة العكس هو احط من الحيوان، اذن: مطلق الانسان ينسحب عليه هذا المعيار: اما استخدام العقل والعلم او الجهل بنمطيه: الكفر والفسق.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يرجح بعلم، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.