نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "أياك ان توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة استعارية هي: ما يطلق عليها، الصورة الاستمرارية أو التركيبية، اي: الصورة التي تنتضمها صورة متنوعة في تركيبة واحدة، حيث نلحظ اولاً: صورة مطايا الطمع، وصورة مناهل الهلكة، فضلاً عن الفروع المترتبة عليها: كالايجاف والايراد، المهم هو: ملاحظة دلالتها ثم ملاحظة بلاغتها، اما الدلالة فتتمثل في التحذير من الطمع، طالما تعرف بأن الطمع يقتاد صاحبه ان يقع في ما لا يتجانس مع تطلعاته الطامعة: كالذل أو حتى الهلاك، وقد تردد على الألسنة ما يشير الى ان طمعه قتله، تعبيرا عن المحذور المشار اليه.
بلاغة الحديث
والآن الى بلاغة الحديث المتقدم … فماذا نستلهم؟
قلنا: ان الحديث يتضمن اكثر من صورة اي: الصورة الاستمرارية حيث نواجه اولاً صورة مألوفة من حيث الاستخدام، ولكنها عميقة من حيث الدلالة، فقد انتخب الامام علي (عليه السَّلام) استعارة مطايا الطمع، اي: جعل للطمع دابة يركبها صاحبها وهي ليست دابة عادية بل تسرع في مشيها حيث ان كلمة توجف تعني سرعة المشي، وهذا يعني ان الطامع سوف يتعرض للخسار سريعا وليس بطيئا وهي دلالة لها دقتها الملحوظة بصفة ان مردود الطمع هو: سرعة نتائجه الخاسرة، وهذا من حيث الصورة الاولى، ولكن ماذا بالنسبة الى الصورة الاخرى، توردك مناهل الهلكة؟
هذه الصورة بدورها: استعارة لها جماليتها وعمقها فقد رسم الامام (عليه السَّلام) لمطية الطمع المتقدم منهلاً ترد فيه اي: تشرب من الماء الموجود في الطريق بصفة ان الدابة لا مناص لها من مورد ترد فيه لإشباع حاجتها الى الارتواء، ولكن النكتة هنا هي: ان الارتواء يهدف الى اكساب الدابة صحة بدنية لمواصلة سيرها بينما رسم الامام (عليه السَّلام) لها عاقبة ليست مضادة للصحة فحسب بل تورد صاحبها الى الهلاك وهذا هو طرافة الصورة، حيث تعتمد التضاد من خلال التماثل، والتماثل من خلال التضاد، اي: المنهل الذي وجد لإستمرارية حياة الدابة وصاحبها تحول الى انهاء الحياة بدلاً من استمراريتها بالنحو الذي اوضحناه.
اذن: اتضحت لنا جمالية الصورة الاستمرارية المتقدمة بما تتضمنه من مبادئ بلاغية لها طرافتها ولها عمقها.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجنبنا موارد الطمع وان يجعلنا من الزاهدين بمتاع الدنيا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.