نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "الليل والنهار يتسارعان في هدم الاعمار".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم صورة فنية تعتمد على الاستعارة في تجلية حقيقة الانسان، وفي قربه من الانتقال الى الحياة الآخرة، ومن ثم: الى الحساب، والى المصير الابدي.
هذه الدلالة لايتحدث النص عنها مباشرة، ولكنه يرمز بها او يلمح بها من خلال استخدامه الاستعارة المذكورة،وهي: ان الليل والنهار يتسارعان في هدم الأعمار، حيث نعرف ان الأعمار محدودة بزمن خاص بحيث ان البشر اذا جاء اجله لا يتأخر ولا يتقدم لحظة عن الأجل المذكور،... بيد ان المهم هو: استخلاص العظة والعمل بوظيفة الانسان وهي: الخلافة في الارض، أو ممارسة العمل العبادي المطلوب... وقد نسج الامام (عليه السَّلام) هذه الحقيقة واثراها بدلالات غنية حينما ألمح من خلال الصياغة الاستعارية الى الليل والنهار وعلاقتهما بموت الانسان، حيث لا علاقة واقعية بين عملية الليل والنهار وبين الانسان الا من خلال ايجاد علاقة رمزية او استعارية بينهما وبين عمر الانسان... كيف ذلك؟
بلاغة الحديث
واضح ان الليل والنهار يتعاقبان لأداء وظيفة أو يسخران لوظائف متنوعة منها: جعل الليل لباساً والنهار معاشا ً، ولكن الرمز او الاستعارة التي استخدمها الامام (عليه السَّلام) هنا هي: انه (عليه السَّلام) خلع على الليل والنهار طابعاً هو: حركتهما من زاوية معينة هي: تقاوم الزمن اي: ما يمر نهار او ليل الا ويقطع مسافة من الزمن وهذه المسافة تتحدد بمقدار ما كتب الله تعالى لهذا الفرد او ذاك من العمر... ولذلك فان قارئ الكلمة المذكورة سوف يتداعي بذهنه الى ان كل لحظة تمر انما هي من عمر الانسان، بل يتداعى ذهنه الى ان اول ولادة الانسان هي اول زمن موته، فولادته هي المرحلة الاولى من مراحل عمره المفضي في النهاية الى الموت.
اذن: ثمة تداعيات ذهنية تنحدر من المقولة المذكورة،... بيد ان الأهم من ذلك هو: استخلاص الدلالة الجوهرية من ذلك ألا وهي: التفكير بالموت وما يترتب على ذلك من السلوك... فما هو؟
الاستعارة المذكورة تقول: الزمن يسارع بك الى الموت فاستثمر ما بقي من حياتك في اداء وظيفتك العبادية او الاخلافية والنكتة البلاغية في الاستعارة هي: انها تقوم على حركتين هما الليل والنهار، وكان بالامكان ان يرمز للموت بحركة واحدة هي الزمن مثلاً ولكن انتخاب الليل والنهار يتداعى بالذهن الى الحركة المتنوعة والموحدة في آن واحد: تعبيراً عن عدم الثبات سواء ثبات الدنيا او ثبات الانسان، حيث يفنيان في نهاية المطاف.
اذن: امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الفنية للنص المتقدم، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يتذكر الموت، ويتعظ به وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.