نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "التقى رئيس الاخلاق".
دلالة الحديث
هذا النص من الاحاديث المألوفة دلالة، ولكنه عميق الى درجة الضرورة في الوقوف عنده دلالياً: لا ضبابية في الحديث، انه يقرر بوضوح بأن "التقى رئيس الاخلاق" اي: هو الاصل، واما سائر الاخلاق فروع... والسؤال هو: بلاغة الحديث من حيث انه يرسم الظاهرة من خلال صورة فنية هي مانطلق عليه "التمثيل" أو ما يطلقه الاخرون من مصطلح (الاستعارة) ولكن في الحالتين ثمة نكتة مهمة هي: ما نستلهمه من الاستخلاصات الدلالية وهذا مانبدأ بإلقاء الانارة عليه بلاغياً.
بلاغة الحديث
اذن: لنتحدث...
ان الصورة الفنية التي رسمها الامام علي في ذهابه الى ان "التقى رئيس الاخلاق" ترشح بدلالات متنوعة، لعل ما نستخلصه الآن هو أحد التأويلات... فماذا نستخلص؟ ان الاخلاق مصطلح تندرج ضمنه مجموعة من السمات السوية لدى الشخصية،... ونقصد بالسمات السوية ما يشير اليه علماء الصحة النفسية في ذهابهم الى انماط السلوك المتسم بالكمال مقابل السلوك المتسم بالشذوذ اي: السلوك الاعصابي أو المضطرب الخ...
ولحسن الحظ ان ما ينسب الى السلوك السوي يظل متوافقاً مع مارسمه الاسلام، اي: ان البشر من الممكن –تبعاً لهاتين الخير والشر– ان يصل الى معرفة الحق، ولكن المؤسف ان التصورات البشرية تظل(غير شاملة) وذلك لفصلها بين المبادئ الشرعية وبين السلوك الدنيوي، ويعنينا من هذا الى ان نشير الى ان (الاخلاق الحسنة) هي: ما رسمه الاسلام من المبادئ الشرعية ومن المبادئ الارضية ايضاً وبهذا الشمول نستطيع الذهاب الى ان عبارة (رئيس الاخلاق تعني: مطلق السلوك الايجابي) كالكرم والشجاعة والصدق والامانة والاخلاص والوفاء والحب وقضاء الحاجات بالاضافة الى الممارسات العبادية: كالصلاة والصوم و...الخ.. وفي ضوء هذه الحقيقة نتساءل: لماذا يصبح (التقى) رئيساً وثم السمات التي ذكرناها فروعاً ؟
الجواب: التقى في المصطلح الشرعي هو الالتزام بمبادئ الاسلام، وحينئذ فان اي سلوك يمارسه الانسان اذا لم يخضعه للمعيار التقوائي فلا يعد سوياً او كاملاً... فمساعدتك للاخرين مثلاً سمة ايجابية ولكن اذا لم تخضعها للتقى وهو المساعدة من اجل الله تعالى وليس من أجل كسب السمعة الاجتماعية عندئذ تصبح المساعدة ذات طابع سلبي، ولكن عندما تخضعها لمبدأ (من اجل الله تعالي) تكتسب ايجابية... وبهذا تظل (المساعدة) فرعاً للتقي، اي: التقى هو الاصل او الرئيس الذي يأمر بممارسة المساعدة من اجل الله تعالى لا السمعة او التقديرالاجتماعي.
اذن: امكننا ان نتبين دلالة الحديث المذكور وبلاغته، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى التقوى الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.