نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "ماء وجهك جامد، يقطره السؤال".
دلالة الحديث
هذه الكلمة الاستعارية تحفل ببلاغة فائقة... انها تتحدث عن العز، عن الكرامة التي منحها الله تعالى للانسان، حيث ورد عن المعصومين (عليهم السَّلام) ما مضمونه "ان الله تعالى فوض للانسان او المؤمن بخاصة كل شئ إلا اذلال نفسه..."، والسبب واضح وهو: ان المؤمن ينتسب الى الله تعالى، والله عزيز، ولذلك يتعزز المؤمن به... وقد اوضح الامام علي (عليه السَّلام) أحد مواقف الانسان وهو: عندما يحس بالحاجة الى شيء، حيث يوضح له الامام بانك – اي المؤمن – عزيز فلا تعرض نفسك للذل، فاذا كانت لك حاجة فاطلبها ممن هو أهل اي: من المؤمن، لأن المؤمن لا يذل اخاه بل العكس من ذلك حيث ورد عن المعصومين (عليهم السَّلام) ما مضمونه انهم عندما يقدمون مساعدة مالية مثلاً الى احد الاشخاص، فانهم يخفون وجوههم عنه حتى لا يروا اثر الذل في وجهه... وقد ورد في تكملة الحديث المتقدم اي: "ماء وجهك جامد يقطره السؤال" اردفه (عليه السَّلام) بعبارة "فأنظر لمن تقطره" اي: انظر الى المؤمن فحسب واطلب حاجتك منه لأن المؤمن لايذل أخاه.
والآن: بعد ان اوضحنا دلالة الحديث، فعلينا ان نحدثك عن بلاغته... فماذا نستلهم من ذلك؟
بلاغة الحديث
الحديث المتقدم هو: تمثيل او استعارة، حيث خلع النص طابع السيولة على الوجه وخلع طابع الجمود الحقيقي عليه اي: الماء الجامد، فصاغ بذلك عبارة طريفة لها جاذبيتها واثارتها وجمالها وعمقها.
كيف ذلك؟ واضح ان الوجه لا ماء فيه، ولكن الامام (عليه السَّلام)خلع عليه طابع الماء فجعله وجهاً جامداً اي: رمزاً لظاهرة لها قيمتها واحكامها ومتانتها وهي ظاهرة "الوجه" بصفته رمزاً للعزَّة، فاذا قدر لهذا الوجه ذي الماء الجامد ان يحتاج الى شيء (كالمال مثلاً) فعنئذ اذا سأل الآخرين عندها يذوب الجمود المذكور فيقطر بالماء السائل، واذا قطر: حينئذ اما ان يتلاشى فتذل الشخصية واما ان يحفظه المسؤول فيرد له قطرات ماء وجهه فيرجع الى حجوره وبذلك تحتفظ الشخصية بعزها مادامت قد سألت المؤمن الذي يخاف الله تعالى ويرى ان المال هو مال الله تعالى وانه موظف عند الله تعالى، ويضطلع بتقديم خزانة الله تعالى الى الافراد والاخرين...
اذن: امكننا ان نتبين مدى جمالية الصورة الاستعارية المذكورة ومدى احكامها وعمقها وتعبيرها عن المنحنيات المرتبطة بحاجة الانسان وتفاوت ذلك بين السؤال وعدمه، او السؤال ممن هو اهل أو ممن هو ليس بأهل، وارتباط ذلك بعز الشخصية الخ...
نسأله تعالى ان يوفقنا الى قضاء حوائج الأخرين وان يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.