نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "المرء مخبوء تحت لسانه".
دلالة الحديث
هذه المقولة المشهورة عن الامام علي (عليه السَّلام) لايكاد أحد منا لم يسمعها، ولكنها منطوية على أسرار نفسية لو تأملناها بدقة لامكننا ادراك بعض ما تمتلكه المقولة المذكورة دلالياً اولاً ثم جمالياً ثانياً.
من حيث الدلالة: قلنا ان هذه المقولة بلغت من الشهرة مجالاً ملحوظاً... انها تقول: ان الانسان اذا تكلم فان كلامه يكشف عن شخصيته فيما اذا كانت عالمة او جاهلة أو سوية أو مريضة الخ... وهذا ما لا يتردد اثنان فيه... بيد ان ما نعتزم توضيحه هو: الصياغة الاستعارية او الرمزية للمقولة، حيث استخدمها الامام علي (عليه السَّلام) بنحو من الدقة والطرافة بمكان كيف ذلك؟
بلاغة الحديث
قال (عليه السَّلام): "المرء مخبوء" ومعنى خبأ هو: ستر الشيء واخفاه، وهذا يعني ان الانسان– من حيث تركيبته النفسية والعقلية مستور ومخفي لا يعلم الاخرون عنه اي شيء ولكن اذا تكلم: انكشف الأمر وظهرت معالم شخصيته... طبيعياً، المقصود من الكشف هو: الجانب العقلي والنفسي والثقافي، حيث ان الكلام الصادر عنك يكشف عن كونك تمتلك جهازاً معرفياً كبيراً او عادياً وعن كونك تمتلك تركيبة نفسية سوية أو عصابية وعن كونك سالماً من حيث الجهاز الادراكي أو مختلاً، الخ …..
ليس هذا فحسب بل ان الكشف عن الشخصية لا ينحصر في التعريف بشخصيته العلمية او العقلية او النفسية بل تنعكس على مختلف انماط نشاطه ونظرة الآخرين حياله... فمثلاً عندما تمنع التوصيات الاسلامية من المزاح انما تحرص على سمعة الشخصية واحترامها، حيث تذهب النصوص الى ان المازح يجترأ عليه اي: يتعرض للاهانة، وهذا ما يتنافي مع الدافع الى الاحترام وتقديرالآخرين... واما فيما يتصل باللسان من حيث البعد الجزائي للانسان فيكفي أن نشير الى ماردده المعصومون (عليهم السَّلام) بالنسبة الى حصائد ألسنة الناس، اي ان المعاصي في الغالب، هي: ما يفرزه اللسان من غيبة، وبهتان، ونميمة، وعدوان لفظي...الخ وانعكاس ذلك على مصيره الأخروي...
والآن: خارجاً عن الاستخلاصات المذكورة، يتعين علينا التكرار لطرافة هذه الصياغة الاستعارية التي تقرر بأن الانسان (مخبوء) تحت لسانه... انه مخفي مستور، سواء أكان ذلك في نطاق الستر امام البشر او الستر امام الله تعالى او امام الحساب في اليوم الآخر او عكس ذلك اي الكشف عن الشخصية.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن يخزن لسانه إلا من خير وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.