نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "لا حسب كالتواضع".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم (تشبيه) يعتمد على طرفي النفي والايجاب، اي: احد طرفيه هو (لا) النافية وطرفه الاخر، الكاف الايجابية، اي الاداة التي تربط بين طرفي الظاهرة، وتخلع طابعاً على آخر هو: "الحسب والتواضع...".
والمهم هو: ملاحظة الحديث دلالياً وجمالياً ونبدأ ذلك بالحديث عن الدلالة... فماذا نستلهم؟
من البين ان التواضع هو سمة الشخصية السوية، مقابل التكبر الذي هو سمة الشخصية العصابية، وقد اوضح الامام الصادق (عليه السَّلام) في مقولته التي حلل من خلالها شخصية المتكبر بقوله (عليه السَّلام): "ولا يتكبر المتكبر إلا لذلة يجدها في نفسه".
وقد اجمع علماء النفس ايضاً على ان المتكبر يتحسس بالنقص فيلجأ الى قناع يتستر به على نقصه وهو: اصطناع التعالي والزهو، وما إليها من الاساليب التي يعوض بها عن نقصه المشار اليه... والعكس هو الصحيح تماماً اي: ان المتواضع هو من لا يتحسس بوجود نقص لديه، بل يحس بالإمتلاء لسبب واضح هو: احساسه باستقلالية الذات وبكرامتها وبخاصة اذا كان الشخص مستحياً الى الله تعالي، حيث يظل التواضع تعبيراً عن الاعتزاز بالله تعالي...
بلاغة الحديث
والآن: لنتجه الى بلاغة الحديث... فماذا نستلهم؟
نكرر ملاحظة الحديث "لا حسب كالتواضع"... هنا نواجه ظاهرة "الحسب" التي تعني "شرف الاصل" والملاحظ ان ضعفاء النفس والمرضي يتعالون بأحسابهم على الآخرين، متناسين ان الفخر هو للشخصية ذاتها وليس لأجدادها... وهذا من الوضوح بمكان... طبيعياً ينبغي ان نستثني الفخر اذا كان عبادياً (كشرف السيادة مثلاً) ونحو ذلك، في نطاق التماثل بين المفتخر واجداده حيث يتماثل الشخص في سلوكه الايجابي مع من يفتخر بهم من أبائه واجداده... والمهم الآن ملاحظة التشبيه الذي قدمه الامام (عليه السَّلام) في ميدان "التواضع" وتشبيه الحسب به، اي: ان الامام (عليه السَّلام) مارس صياغة التشبيه المضاد، بصفة ان "الحسب" لا قيمة له اذا كان المفتخر لا قيمة ايجابيه لديه،.. من هنا نجد طرافة التشبيه حيث ان الامام خلع على الحسب، صفة ايجابية من خلال نفيه اساساً وجعل "التواضع" بدلاً منه، اي: جعل التواضع الشخصي حسباً بمعنى، جعل السمة الايجابية "التواضع" هي "الحسب" الحقيقي، وليس الحسب الذي هو شرف الاصل، موضع الفخر والمباهاة.
اذن: تبين لنا بوضوح طرافة التشبيه الذي قدمه الامام (عليه السَّلام)، حيث شبه
"الحسب" بالتواضع، اي ألغى سمته السلبية، وخلع عليه سمة إيجابية، بالنحو الذي اوضحناه
ختاماً: نسأله تعالي ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.