نص الحديث
قال الامام الصادق عليه السلام: "لم يخلق الله يقينا لا شك فيه، اشبه بشك لا يقين فيه من الموت".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتسم بطرافة بلاغية متنوعة العناصر كما سنوضّح ذلك بعد قليل، اما الان فنحدثك عن دلالة الحديث، فماذا نستلهم منه؟.
الحديث يتناول ظاهرة (الموت)، ولكن الموت مع كونه يقينا لا شك فيه، يظل بمنئى عن غالبية الناس، ان البشر مشغول بزخارف الدنيا ومتاعها كالاموال والمواقع والجنس واللهو واللعب والخ، وحتى من ابتعد عن هذه المحركات نجده غافلا عن يومه الاخر، مشغولا بالعلم مثلا ولكن يلهيه عن الموت، اي يمارس العلم من اجل العلم بصفته اشباعا للحاجة الفضوليه عند الانسان، اي: انه حاجة عقلية، وفي ضوء هذه الحقيقة حيث يغفل الناس عن الموت وتداعياته، يقدّم الامام الصادق عليه السَّلام الحديث المذكور الذاهب الى ان الله تعالى لم يخلق يقينا لا شك فيه، اشبه بشك لا يقين فيه من الموت، وهو حديث يتطلب القاء الاضاءة عليه من خلال عناصره البلاغية المدهشة كيف ذلك؟.
بلاغة الحديث
الحديث المتقدم يجسّد احدى الصور البلاغية المتمثلة في (التشبيه)، ولكنه ليس تشبيها تخيليا بقدر ما هو تشبيه واقعي، وحتى في نطاق ما هو واقعي نجد ان هذا التشبيه قد اعتمد (ليس اداة التشبيه) بل استخدم عبارة (اشبه) لهذا الموضوع، ولعل السّر الكامن وراء ذلك هو: ان ظاهرة الموت ذاتها تتطلب مثل هذا التشبيه الخالي من الادوات المعروفة مثل (الكاف) كانّ الخ، وذلك لسبب واضح هو ما ذكرناه قبل قليل بان الموت منسّي من ذاكرة الانسان مع انه حاضر في محيطه الذي يرى من خلاله ان امه واباه واخاه وعشيرته واصدقاءه وجيرانه الخ، قد اختطفهم الموت دون ان يعكس هذا اثراً في ذاكرة الاشخاص.
ان الطرافة الفنية في هذا التشبيه هي: المقابلة بين اليقين والشك، ثم المقابلة بين الموت والتغافل عنه، ثم استخدام الاداة (اشبه) التي تجعل طرفي التشبيه متقاربين او متماثلين، فالامام عليه السلام يقول مع ان الموت يقين لا ترديد فيه، نجده اشبه بشك لا يقين فيه، ان الشك لا يعني عدم الاعتراف بالموت بقدر ما يعني عدم استحضاره في الذهن حتى يتقارب الشك مع انه يقين، وهذا هو طابع الطرافة في التشبيه المذكور، اي التشبيه الذي يقرر بانه لم يخلق تعالى يقينا لا شك فيه اشبه بشك لا يقين فيه من الموت، اذن: تتجسد الطرافة في هذا التشبيه من خلال استثارتها لقارئ الحديث حيث سينتبه سريعا الى الموت المنسّي ويستحضره في ذهنه، ومن ثم يعدّل سلوكه ويحاسب نفسه ويتهيأ لليوم الاخر.
اذن امكننا ان نتبين طرافة هذا التشبيه، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ذاكرين للموت حتى يحملنا على ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.