نص الحديث
قال الإمام علي (عليه السَّلام) : من الكرم لين الكلام
دلالة الحديث
الحديث المتقدم قد ينتسب الى الاستعارة او التمثيل، إلا انه في الحالتين يتناول ظاهرة "لين الكلام" وينسبها الى الكرم: مع ملاحظة ان الكرم قد يقصد به السخاء والجود ونحوهما أو يقصد به الطيبة او الصفح وسائر السمات الايجابية، والمهم هو: ملاحظة البعد البلاغي وارتباط ذلك بالصلة بين الكرم ولين الكلام، وهذا ما نبدأ بإلقاء الاضاءة عليه.
بلاغة الحديث
قلنا: ان "الكرم" قد يكون بمعنى السخاء والجود ونحوهما، وفي هذا السياق نجد ان الرابط البلاغي بين صفة نفسية "لين الكلام" وبين صفة مادية: اعطاء المال أو اي متاع مادي للآخر، لذلك نتساءل: ما هي النكتة البلاغية بين الكرم المادي وبين السمة النفسية "لين الكلام"؟ واضح، ان لين الكلام يعني: امن الشخصية تمارس تصدير (المحبة) الى الخارج، اي: تقدم عطاءً معنوياً هو الحب للاخرين، ولا شيء اكثر لصوقاً بسمات الشخصية السوية اكثر من السمة التي تصدر داخلها الى الخارج، أي لا تنكمش داخل (اناها) او (ذاتها) بل تتجه الى الخارج، وهذا ما يؤكده علماء النفس المعنيون بشؤون الصحة النفسية، حتى ذهب بعضهم الى ان المميز الرئيس بين المرض والصحة هو مدى (الحب) الذي يصدر من الشخصية الى الآخرين. وبما اننا نتحدث عن علم النفس ولا نتحدث عن الشريعة الاسلامية التي حرصت على (الحب) بين الاطراف الى درجة انها رسمت مختلف مستويات السلوك المفضي الى الحب والى توثيقه، بدءًا من السلام، الى المصافحة، الى المعانقة، الى الزيارة، الى آداب الجلوس، الى اداب المحادثة الى آداب الطعام الخ... والمهم بعد ذلك هو ملاحظة (الحب) وصلته بلين الكلام من جانب، وصلتهما بالحب من الجانب الآخر. من البين ان لين الكلام هو أحد معالم التعبير عن الحب وذلك بصفة ان (المحب) يمارس سلوكاً يتفاعل مع الآخر ويدخل السرور عليه، وهذا ما يتمثل في "لين الكلام" لأن الكلام هو احد ابرز معالم السلوك، حتى انه ليسبب تحقق أبعد المستويات من السلوك الانساني على العكس قد يسبب اشد الاضرار: كما هو واضح. خيراً: لا نغفل ان "الكرم" الذي يعني السخاء او الجود يظل على صلة - لا تحتاج الى التوضيح ـ بالكرم النفسي (الحب) لان كليهما – كما قلنا – تصدير للخارج، احدهما: المادي والآخر النفسي، مع انهما وجهان لعملة واحدة. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى التحلي بمكارم الاخلاق، والى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.